مختارات من مراسلات الشيخ حمد الجاسر العلمية
صدر حديثًا عن مؤسسة دار اليمامة للبحث والنشر والتوزيع كتاب: “مختارات من مراسلات الشّيخ حمد الجاسر العلميّة” بعناية وتعليق: د.عبدالرحمن الشبيليّ، ومراجعة وتقديم: د.عبدالعزيز الخراشيّ، وهو كتاب من القطع المتوسط يتضمن بين دفتيه ما ينيف على ٤٠٠ صفحة.
وقد جاء في مقدمته بقلم د. عبدالعزيز الخراشيّ: “حظي فنّ الرّسائل باهتمام الأدباء والنّقّاد قديمًا وحديثًا؛ إذ نجد تنوّع الرّسائل من ديوانيّة وإنشائيّة وإخوانيّة؛ مثلما نجد تنوّع الأسلوب الكتابيّ الّذي منه التّرسّل؛ حتى باتت الرّسائل جنسًا أدبيًّا، بل متعاليًا بوصفه مقامًا كتابيًّا يستدعي أوضاع تخاطب مخصوصة، وخطابًا له مقوّمات وأدبيّات خاصّة.
لذا لم يكن غريبًا أن تشغل المراسلات حيّزًا من حياة الشّيخ حمد الجاسر بعامّة، وحياته العلميّة بخاصّة؛ إذ كانت ممّا يُعوّل عليها في صلاته الاجتماعيّة والرّسميّة والعلميّة، وهذا بادٍ لمن يتدبّر إرث مراسلات الشّيخ
– رحمه الله– في مختلف أطوار حياته، بل ساطعٌ لكلّ ناظرٍ إلى مراسلاته العلميّة الّتي تمتزج فيها روح الوصل والإخاء بروح المسؤوليّة والعطاء؛ حتّى بدت مراسلاته نسيجًا ممتدًّا امتداد هذا العالم لا تقوى على مثل نسجه سوى المؤسّسات والمنظّمات؛ ممّا سيبين لكلّ ذي نظر.
ولمّـا كـانت هـذه الأهمّيّة حـاضرة؛ فقـد ألحّ عـليـها مـؤرّخ الإعـلام والأعلام د.عبدالرّحمن الشّبيليّ –رحمه الله–؛ إذ تقدّم إلى اللّجنة العلميّة في مركز حمد الجاسر الثّقافيّ بفكرة جمع مراسلات الشّيخ حمد الجاسر العلميّة؛ فكان ذلك حين نهد المركز إلى جمع الوثائق، وتحريرها؛ ليتهيّأ الاختيار؛ فشرع د.عبدالرّحمن الشّبيليّ بالاختيار ممّا كان من مراسلاتٍ إبّان الأعوام (١٤١٣-١٤١٥هـ)،ثمّ شفعها بفضل عناية وتأمّل؛ فترجم وعلّق كما هو مثبت في الحواشي غير أنّ يد المنون سبقت يد إنهائه هذا الإصدار؛ فرحمه الله رحمة واسعة،وجزاه كفاء ما قدّم.
وبتحرّي منهجيّته – رحمه الله – استبان سبيل الاختيار؛ فتمّ ما وليَ عام ١٤١٥هـ حتّى عام وفاة الشّيخ حمد الجاسر – رحمه الله– ١٤٢١هـ، ثُمّ بان بعدُ إثرَ تفتيش وتنقيب مراسلاتٌ أبعدُ غورًا؛ إذ تعود إلى ما بين عام (١٣٨٧-١٣٩٠هـ/ ١٩٦٧-١٩٧٠م) إبّان الإقامة في بيروت؛ فصُدّر بها الكتاب متوخًّى في اختيارها، واختيار سواها محدّدات، أبرزها الطّابع العلميّ، وما يبدي الفائت من المطبوع ممّا هو مثبت في مجلّة “العرب”، أو إصدارات الشّيخ حمد الجاسر، وكأنّها لوحة تعكس ظلّ تلك الأعمال الجليلة، وتجلّي في الوقت نفسه دأب الشّيخ العلميّ مرحلةَ أشدّه، وحدبه العلميّ ختامَ حياته، وهي إذ تبيْن همّته؛ فإنّها تبيّن همّه الرّصين في تحرّي ما يخصّ هذا البلد الأمين تاريخَه وجغرافيّتَه وأدبَه وحضارتَه.
سيقت المراسلات مرتّبةً تاريخيًّا وإن بدا عُرا بعضها مشدودًا ببعض بما بينها من اتّصال موضوعيّ؛ لما بان بعد نظرٍ من أنّ التّرتيب التّاريخيّ أسلم وأحكم، وليظهر للمستفيد ما لحق المراسلات من تبدّل أو تغيّر في نمط خطابها غير متجاهلين التّنبيه على أنّ العناية فرضت إخراجها وفاق الأصل بما يظهر الاختيار اللّغويّ، والرّسم الإملائيّ، والخطاطة الّتي يتأسّس عليها خطاب المراسلة لدى الشّيخ حمد الجاسر رحمه الله.
وهذا ما يجعل هذا الإصدار مادّة للباحثين والمهتمّين؛ إذ قد يجد المهتمّ بالنّوادر والمخطوطات ضالّةً جَهِد في اقتفاء أثرها؛ كما يجد المؤرّخ أو البلدانيّ إحالة لما لم يفصح عنه ما تقرّى في المصادر أو المراجع؛ كما يجد اللّغويّ اختيارات لغويّة وأخرى كتابيّة قد انفرد الشّيخ بها معنًى أو رسمًا؛ مثلما يجد الدّارس الأدبيّ مدوّنةً لتبيُّن سمات خطاب التّرسّل لدى الشّيخ حمد الجاسر”.