ندوة وفاء عن الأستاذ محمد الشارخ.. “صخر” التقنية العربي
افتتح الدكتور هشام القاضي ندوة الوفاء عن فقيد...
الأستاذ الدكتور محمد الهدلق .. سيرة ومواقف وشهادات
بمشاركة نخبة من الرواد والمثقفين والأكاديميين...
المسلّم يتحدث عن مشروع الجينوم في دارة العرب
أوضح الأستاذ الدكتور إبراهيم بن صقر المسلّم أن...
البازعي يشدد على ضرورة معالجة أزمة الإنسانيات
أوضح الأستاذ الدكتور سعد البازعي بأن أزمة...
معالي الدكتور علي النملة: المواءمة بين الموروث والجديد يحفظ للأمة هويتها ويجدد طاقتها على النماء والتطور
أكد معالي الدكتور علي النملة -وزير العمل والشؤون الاجتماعية سابقاً- على ضرورة تبني منهج الاعتدال الذي لا يتخلّى عن ذاك الحين “التراث” بمعطياته الحضارية ومنجزاته الفكرية والمادية، وأنه الأساس الذي بُنيت عليه الحضارات المتعاقبة، فيما لابد من التأكيد عليه –أيضًا- في استعانة حضارة المسلمين بالحضارات السابقة لها والمعاصرة في غير علوم الدين، دون أن يؤخذ هذا كله على علاته بانتصار عاطفي، أخذًا بالحسبان عدم اعتبار الكتاب والسنة من الموروث الخاضع للنقد البشري. وذلك كله في ثنائية إيجابية معتدلة لا تُنكر الاستمداد ولا تتنكّر للمؤصل فالمواءمة بين الموروث والجديد يحفظ للأمة هويتها ويجدد طاقتها على النماء والتطور، جاء ذلك في محاضرة بعنوان: “صدام الثنائيات” ألقاها في مجلس حمد الجاسر يوم السبت 21 صفر 1436هـ وأدار المحاضرة سعادة الدكتور عائض الردادي.
وقد أوضح المحاضر في ورقته بأن هناك ثنائيات كونية لا تلتقي، وثنائيات افتعلها الإنسان وأراد لها ألا تلتقي وهي بطبعها قابلة للالتقاء بما يعين على مزيد من التعارف بين الناس، حيث لا تعارض بين التحيين والتأصيل، خلافاً لمن سعوا إلى القطيعة بين ذاك الحين وهذا، وجعلوا نبذه من مؤشرات، بل من مقومات الرقي والتقدم.
وأشار إلى أن افتعال الافتراق لا تقرُّ هذه الوقفات المنهج في نفي الالتقاء وإيجاد الفجوات المدنية بين الأمم، ولا تراه منهجًا سويًا يُسهم في عمارة الأرض والاستخلاف فيها، والباحثون عما يطفئ هذه الثنائية سلبًا يميلون إلى الالتقاء والتعارُف والتحالُف والتنافُس، وجميع صيغ التفاعُل الإيجابية، دون التنازل عن الثوابت والخصوصيات الثقافية، وسيجدون ضالتهم في الوحي المنزل من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ثم في آثار العلماء والمفكّرين من الشرق والغرب، من منطلق مقولة الشاعر الألماني يوهان فولفجانج جوته “1749-1832م”: إن الشرق والغرب لله وليس لهما أن يفترقا بعد الآن” وهو الشاعر نفسه الذي قال: “إنْ يكُ الإسلامُ معناه القنوت : فعلى الإسلام نحيا ونموت”، ومنطق جوته في التقاء الشرق بالغرب هو المنهج الذي تتبناه هذه الورقة.
وأوضح أن هناك من لا يرغبون في الالتقاء يطلقون بعض الأقوال التي تؤجّج العداء والتباعُد والتضاد، بل التباغض، بينما واقع الحال أنها –بإرادة الله تعالى في تصريف هذا الكون- يُراد لها أن تلتقي، لا سيَّما مع انتقاء الجهوية اليوم، في ضوء تلاقي الأمم في الاتصال التقاني الذي حطّم جميع وسائل الانعزال والفردانية الثقافية والفوقية الحضارية، وجعل الثقافات تتلاقح فيما بينها، في صورة لم تكن في ذهن أولئك الذين ارادوا للشرق والغرب ألا يلتقيا، أو بعبارة سلبية في ظاهرها: أولئك الذين لم يريدوا –ولا يريدون- للشرق والغرب أن يلتقيا.
وإِنْ تحفظ بعضنا على التلاقح بين الثقافات، وأكّد على الخصوصية الثقافية والاستثناء الثقافي فلابد ألاّ نتحفّظ على التفاهُم والتعارُف والتحالُف بين الثقافات وعمارة الأرض والاستخلاف عليها، فالناس لم يُخلقوا ليختلفوا، بل خلقهم الله ليعمروا هذا الكون.
وعن ثنائية الدين والحياة تحدث عن ظهور جدل يقول إنما تقدمت أوروبا أو الغربان الأوسط والأقصى، لتشمل أمريكا الشمالية بسبب تخليهما عن ماضيهما الذي كانت تسيطر عليه الكنسية “الدين”، وبالمقابل تأخر المسلمون لأنهم لا يزالون متمسّكين بدينهم الذي يعيدهم إلى الوراء دائمًا، وهذا مفهوم خاطئ فالدين والعلم لا يتعارضان وأن هذا افتعال لصدام ثنائية أخرى تربط بين الدين والعلم، فالكنسية التي حاربت العلم والعلماء، جعلت البحث في علوم الدنيا نوعًا من الهرطقة لذلك انكفأت، واسقاط هذا الصدام على الإسلام غير منطقي فالإسلام يشجع على العلم ولا يحاربه.
ثم تحدّث عن التماضي والتحيين والمواقف من هذه الثنائية، وتأثير الانبهار ورغبة الالتحاق السريع بركب الحضارة ومحاكاة الإنسان الأوروبي، كما تحدّث عن المستثنى من التراث ومن المفهوم السائد له القابل للنقد والأخذ والرد وعن غيره من التراث القابل للنقد، وأشاد بالموقف الثالث الذي نهج الوسطية والاعتدال وهو الانتقائي التوفيقي الذي أعطى كل شيء اعتباره، فلم يتنكر لذلك الحين، ولم يقبله على علاته، وتنبه إلى ما فيه من نواقص وتقصير، ووقف منه –فيما عدا الكتاب والسنة- موقف الناقد المنتقي. ولم يتخلّ – في الوقت نفسه – عن هذا الحين، وما فيه من حراك علمي وفكري قادم من الشرق والغرب، وأدرك ما فيه من فوائد، وما هو عليه من تطور وتطوير. ووقف منه – كذلك- موقف الناقد الفاحص، فأخذ منه ما يُناسب، وترك منه ما لا فائدة منه حيث يسعى أصحاب هذا الموقف المعتدل إلى تصحيح التاريخ وتنقيته من بعض ما دخل فيه مما يوافق الأهواء، سواء بدوافع سياسية غالباً أو بدوافع عقدية، فليس القبول للتراث قبولاً مطلقًا، ولا الرفضُ له رفضًا مطلقا، مع التنبه إلى ما اعترى التاريخ من قدر يسير من تعمية الحقيقة.