m

فئة :

2011 Dec 08

مشروعية اللغة العربية الواقع والتحديات

انتقد الدكتور هاجد الحربي أستاذ الأدب السعودي المساعد تبنّي بعض المثقفين لخطاب وعظي مباشر يُعلي من قيمة اللغة العربية مع تواكلهم بالظن بتكفل الله لحفظ اللغة وصمتهم أمام ما تواجهه اللغة من تحديات وعقبات، خصوصًا في السنوات الأخيرة التي بدأت فيها مؤسساتنا تتجه نحو اللغة الأجنبية لتجعلها لغة للتعليم؛ وشدد على ضرورة تبني اللغة العربية في التعليم والتنمية واعتبر ذلك واجب الجميع أفراداً ومؤسسات؛ جاء ذلك في محاضرة قدمها في خميسية الجاسر الثقافية يوم الخميس 13 محرم 1433هـ، والتي أدارها سعادة الدكتور عمر السيف.

وقد أشار في محاضرته إلى أن الحديث عن اللغة العربية وأهميتها طويل جداً، بيد أنَّ السنوات الأخيرة وما تمخض عنها من تغيُّرات في العصر، تُجبرنا على تغيير الفكرة والنظر إلى أحقية اللغة العربية وأهميتها بالتعليم وإيقاف الممارسات التي تُوجّه ضد اللغة العربية. واتخذ من الخطاب العربي بشأن العربية نقطة للوقوف عنده والنظر إلى مدى إيجابياته وسلبياته؛ فالخطاب العربي بشأن اللغة يقوم على شعارات ولافتات إعلامية واضحة وصريحة كاللغة العربية “هوية الأمة”، “ووعاء لأحكام الدين”، و”مذكرة تراث العرب” وما إلى ذلك من الشعارات التي تتبنى هذه المفاهيم بأسلوب لا يؤمن به إلا نحن، فهو يتخذ سمة محلية ولا ينطلق إلى العالمية ونحن نحتاج إلى خطاب عالمي بشأن اللغة، ثم إن هذا الخطاب افتقد فاعليته وتأثيره بسبب التكرار والاستنساخ؛ والأمر الثاني أن هذا الخطاب مع افتقاده للفاعلية والتأثير أصبح يوجّه كثيرًا من أبناء الأمة إلى أن اللغة لا تحتاج إلى جهد بشري للحفاظ عليها، ويأتي هذا التوجيه حينما يقوم هذا الخطاب على تبني أنَّ اللغة تملك تحصينًا إلهيًا مستشهدين بقوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)؛ مع أن هذه الآية لا تحتوي على أية إشارة صريحة واضحة تمنح اللغة حفظاً وصيانة إلهية.

وتحدث عن مشكلة اللغة العربية في التعليم وكيف حلت اللغة الأجنبية مكانها بوقفته عند تيارين: الأول، يرى ضرورة التعليم بالعربية، والآخر يرى بأنها غير قادرة على استيعاب مفاهيم العلوم خصوصًا الطبية والتقنية. وهذا التيار حينما يواجهه الخطاب العربي فإنه دائماً ما يصفه بصفات انتقاص، ويتهمون بأنهم أذناب المستعمرين وأنهم أعداء العروبة، ودعاة التغريب وما إلى ذلك، والواقع أن هؤلاء ليسوا كما نتصور.

ثم أوضح أن إحلال اللغة الإنجليزية مكان العربية بدأ في مصر بعد دخول المستعمر، وقضائه على النهضة الفكرية التي كانت في عهد محمد علي باشا بعد نجاح تجربتها بالتعليم بالعربية، وتخرج الآلاف باللغة العربية، وأشاد بنجاح التجربة السورية في تعليم الطب باللغة العربية وألَّفوا كتباً وترجموا، وإن كانت قليلة بسبب شح مواردهم ووضعهم الاقتصادي. وأشار إلى التجارب الدولية للدول التي استقلت عن الاستعمار وعادت للاهتمام بلغتها الأم مستفيدة من الترجمة ومكوِّنة حضارة من لغتها الأصلية. ورد على من يقول بأن الأجنبية هي لغة العلم بأن العلم لا يعرف لغة محدَّدة، وهناك العديد من اللغات متقدمة في نهضتها وتعليمها وتقنيتها بعد أن حافظت على لغتها أمام هيمنة اللغة الإنجليزية. وأعاد السبب الرئيسي في لجوئنا للتعليم باللغة الأجنبية هو ضعفنا وفشلنا في هذا المجال، ومن الفهم العربي القاصر للاستقلال؛ فالدول الأخرى التي استقلت نظرت إلى الاستقلال من المستعمر بأنه استقلال فكري وثقافي، أما العرب فقد نظروا إلى أن الاستقلال عسكري وسياسي لذلك لم يُحدِث العرب نهضة تنموية.

واختتم محاضرته بسرد المسوغات التي تدعو إلى التعليم بالعربية،فالعالم عرف خلال فترات التاريخ لغات عالمية تهيمن على الثقافة والحضارة ولكن هيمنتها لا تدوم، في يوم من الأيام كانت العربية صاحبة هيمنة على الثقافة والحضارة، والآن وإن كانت ثقافة ليست كاملة ولكننا نحن نؤمن بها، فالإنجليزية صاحبة الهيمنة ولكن ربما لا يقر بهذا العالم المتقدم الآخر كاليبانيين والصينين والألمان وغيرهم. ولكن العرب يقرون بهذا وينقسمون فمنهم من يقر للإنجليزية ومنهم من يقر للفرنسية، وهذه اللغة هل ستستمر في سيادتها وهل سنتسمر في تبعيتنا لها؟ وأشار إلى أن التاريخ يقر أنه في يوم من الأيام لابد أن تذهب هيمنة هذه اللغة “اللغة الإنجليزية” ولا أحد يدري ما القادم لتكون لغة الثقافة والحضارة، حينها سيكون الخيار الوحيد أمامنا البحث وراء الجديد، ويصبح كل ما أسسناه في السابق عبث وربما نحتاج إلى إعادة تقويمه وقد ندرك حينها أننا بحاجة إلى العودة إلى لغتنا، لأننا قد أخطأنا سابقاً ولكنه سيكون إدراكاً متأخراً. أما النقطة الثانية فهي هجرة الكفاءات؛ فنهضة الأمم وتباهيها لا تكون بالثوب المستعار، والوطن العربي خسر الكثير من الكوادر التي استفاد منها الآخرون في المهجر، وشدَّد على ضرورة توخّي الحذر من تكرار الأخطاء التي تدفع الأجيال إلى الهجرة. أما النقطة الثالثة فتتعلق بتيار العروبة والإسلام الذي سيخرج في أي وقت وعند كل أزمة وسينادي بتبني الثقافة العربية واللغة العربية وأن تكون لغة التنمية ولغة النهضة والتعليم، وربما نؤسس نحن تعليمًا بلغة أجنبية في الوقت الذي يُؤسّس فيه غيرنا نهضة بلغة عربية، والجميع يعرف ما أسفر عنه الربيع العربي، فمن كان يتصور قبل عام أن الحال في مصر ستتحول إلى ما آلت إليه اليوم وفي تونس وليبيا واليمن وغيرها، كما رافق ذلك كتابات من التونسيين وغيرهم ممن يطالبون بإحلال اللغة العربية بدلاً من اللغات الأخرى على اعتبار أن لغات المستعمر مسخت الأمة من هويتها.