m

فئة :

2022 Dec 31

قراءة في ملامح بعض الممالك القديمة للملكة العربية السعودية

قدّم الدكتور عبدالرحمن الفريح -عضو مجلس الشورى سابقًا، وأستاذ التاريخ والحضارة- قراءة في ملامح بعض ممالكنا القديمة عبر التاريخ: دلمون والجرعاء وقيدار ودادادن ولحيان والأنباط من ضوء معطيات التاريخ والاجتماع واللغة والأدب والبلدانيات.

جاء ذلك في محاضرة قدّمها في مجلس حمد الجاسر بعنوان: “قراءة في ملامح التاريخ القديم في المملكة”، وأدارها د. عبدالرحمن المديرس، ضحى السبت 7 جمادى الآخرة 1444هـ الموافق 31 ديسمبر (كانون الأول) 2022م.

وافتتح محاضرته بالحديث عن مملكة دلمون التي قامت قبل الميلاد في منطقة تشمل شرق جزيرة العرب وفي جزر البحرين وتاروت داخل الخليج العربي، مشيرًا إلى أنّ البحرين: مسمى قديم يشمل كل أنحاء المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية وشرق جزيرة العرب وقد تُجمع مع اليمامة تحت مسمّى العروض.

وأشار إلى أن دلمون عُرفت في الألفية الثالثة قبل الميلاد ووصفها السومريون بأنها أرض الفردوس وأرض الخير والحياة، وسموها جنة دلمون ووردت أخبار عنها في ملحمة جلجامش، موضحًا أن لدلمون آثار كثيرة في جزر البحرين وتاروت وقد مثل موقعها قبل آلاف السنين مركزًا استراتيجيًا مهمّا بكونها حلقة الوصل بين بلدان الشرق الأوسط والأدنى، بين بلاد ما بين النهرين وبلاد السند في الغرب مصر.

ثم تحدّث عن مملكة الجرعاء التي تقع على ساحل الخليج العربي الغربي وهي جرهاء أو جرعاء أو جره أو جرعاء وأحيانًا تأتي الأسماء السابقة معرفة بـ (الـ)، وورد في تحديد موقعها أنها تقع على السهل الساحلي الممتد من شمال القطيف إلى جنوب واحة الأحساء شرق المملكة العربية السعودية على الجانب الغربي من الخليج العربي، وأضاف أنّ الجرهاء اشتهرت بغناها الكبير ويعتقد مؤرخون قدماء أنها كانت أغنى الولايات الغربية في شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب، وقد قامت على أرض دلمون، كما أن سكانها امتلكوا تحفًا وممتلكات من الذهب والفضة والأحجار الكريمة وأنّ منالهم كانت باهظة التكاليف مطعّمة أبوابها وأسقفها بالعاج والذهب والفضة، وذلك يُعزى إلى أنها منطقة مركزية للتجارة في الشرق الأوسط ضمن نطاق شبكة التجارة العربية، موضحًا أن باحثًا في الممالك القديمة أشار إلى أن المصادر التاريخية تحدثت عن مملكة عربية قامت على ساحل الخليج متزامنة مع عصر الدولة الأكدية في أرض الرافدين في الفترة الزمنية بين (2750-2542 ق.م) وقد عُرفت هذه المملكة في المدونات القديمة باسم “مملكة البحر” ويُقصد في البحر “الخليج العربي” الذي كان يُعرف في ذلك الوقت باسم “مار مراتو” وتعنى البحر المر أو البحر الأدنى.

كما تحدّث عن مملكة قيدار التي تقع في شمال غرب الجزيرة العربية وعصمتها “دومة الجندل” الكائنة في شمال المملكة العربية السعودية في منطقة الجوف، ووُصف القيداريون بأنهم ذوو قوة مؤثرة في الفترة ما بين القرنين الثامن والرابع قبل الميلاد، موضحًا أن مملكة قيدار تعد من أكبر وأهم الممالك العربية التاريخية فيما قبل الميلاد وكان القيداريون على رأس حكومة كونفدرالية قبلية عربية وتحالف عربي مكون من عدد من الزعامات ذات السيادة المحلية، وأن النقوش الأشيورية تشيير إلى تواجد القيداريين في المنطقة الواقعة إلى الشرق من الحدود الغربية لبابل.. وفي مناطق شرق الأردن وجنوب سوريا، وقد كشف فريق سعودي إيطالي مشترك قنوات وآبار وشبكة مياه معقدة كانت تسقي واحدة دومة الجندل، وعرفت دومة بوفرة مياهها وعذوبتها، ووُصفت عند الآشرويين بأنها مدينة العرب من خلال لوح طيني آشوري يعود إلى عصر ما قبل الميلاد.

وأوضح أن مملكة دادان قامت في أرض العُلا وتيماء ووادي القرى غرب شبه الجزيرة العربية في غرب المملكة العربية السعودية، وكانت في مرحلتها الأولى (700-100 ق.م) وفي مرحلتها الثانية من الفترة الممتدة بين سنة 107م و150م باعتبار أن مملكة لحيان قد أتت من بعدها وكأنها امتداد لها، موضحًا أن لغة دادان هي المعينية وهي الأقرب إلى اللغة العربية وإلى اللغة السبئية المتأخرة، ومما يروى هو أن بعض الكتابات في العلا وما حولها كانت معينية وإن كان هذا يصطدم بما يورده أصحاب البحث في النقوش القديمة من أن كتابات تلك الناحية إنما هي آرامية بخط نبطي، وحول علاقة دادان بمعين في اليمن نُسب إلى معين أحد الآثار في أرض دادان على أن الذي لا ريب فيه هو أن أرض دادان كانت محطة مهمة في طريق التجارة جنوب جزيرة العرب إلى شمالها وشمالها الغربي وإلى خارجها في ذلك الزمن الغائر في أعماق التاريخ وقبل أن يسيطر الأنباط على تلك الأرض.

وعن مملكة “لحيان” قال أنها عُرفت بسيطرتها على الأرض التي كانت تحل بها دادان وكانت نهاية سيادة اللحيانيين على يد الأنباط الذين عُرفوا بزعامتهم في البتراء والعلا كعاصمتين مهمتين لهم، موضحًا أن اللحيانيين استقلوا بإدارة شؤونهم وإعادة بناء زعامتهم من جديد، بعد أن قضى الرومان على الأنباط حوالي عام 106م، وظهر اللحيانيون مجددًا بزعامة رئيسهم تمي وهو من أسرة الزعامة السابقة التي كانت تدير شؤونهم وأقاموا حكمهم الثاني الذي بدأ عام 106م واستمر حتى عام 150م.

وأما مملكة “الأنباط” فتعد من أشهر ممالك ما قبل الميلاد وبعده إذ عُرفت في الفترة ما بين عامي 169 ق.م حتى 106م، مشيرًا إلى أن هذه المملكة الشهيرة قامت في شمال شبه الجزيرة العربية وشمالها الغبي وعاصمتها مدينة البتراء الأثرية الشهيرة وهي ذات أثر بالغ الأهمية في العمران والتاريخ والاقتصاد القديم والاجتماع، إذ كانت البتراء محطة استراتيجية واقعة على طريق البخور إذ أنها تقع على مفترق طرق القوافل القادمة من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وأفريقيا، وأضاف أن في جنوب مملكة الأنباط توجد عاصمتهم الثانية في أرض العلا في ناحية وادي القرى غرب المملكة العربية السعودية، وقد عُرفت العاصمة الثانية “العلا” بأنها عاصمة اقتصادية بالدرجة الأولى، وهي ذات آثار ونقوش وكتابات كثيرة، كما أوضح أن لغة الأنباط الرسمية هي الآرامية بلهجة نبطية وأنهم كانوا يتحدثون العربية في حياتهم اليومية وهو ما يُستدل عليه من النقشو والواجهات الخاصة بالأنباط في العلاء والبتراء، وقد لاحظ بعض أهل الاختصاص أن جميع النقوش النبطية على الواجهات الخاصة بالأنباط في العلا كانت باللغة العربية بالخط النبطي.

وشدد في الختام على ضرورة البحث والتنقيب وإنشاء مراكز مختصة بتاريخ الممالك القديمة لحفظ هذا التاريخ الهام لبلدنا، ثم فُتح المجال للمداخلات التي أثرت الموضوع والأسئلة التي تفضل بالرد عليها.