m

فئة :

2015 Feb 21

د. الحمود: يدعو إلى ضرورة إيجاد نظريات نقدية عربية حديثة تراعي خصوصية أدبنا العربي

شدّد الدكتور علي الحمود –أستاذ البلاغة والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- على ضرورة إيجاد نقد أدبي عربي ينطلق من خصوصية أدبنا ويواكبه تنظيرًا وتطبيقًا، ولم يعد ذلك انفصالاً عن نظريات النقد في الأدب الغربي، مؤكدًا في الوقت نفسه أن ما أنتجه الفكر الغربي الحديث من مناهج نقدية ومذاهب أدبية هو نتيجة تراكمات معرفية بُنيت عبر عشرات القرون من الزمان أسهمت فيها أمم شتى، ونحن جزء من هذا العالم نؤثر ونتأثر ولا يمكن أن نعيش بمعزل عنه، جاء ذلك في محاضرة ألقاها في مجلس حمد الجاسر بعنوان: “علاقة النقد القديم بالحديث في الجامعات السعودية: الواقع والمأمول”، تناول فيها إشكالية العلاقة بين النقد الأدبي العربي القديم والحديث في ميداني البحث والتدريس، وقد أدار المحاضرة الدكتور عبدالله العريني، وذلك يوم السبت 2 جمادى الأولى 1436هـ الموافق 21 شباط (فبراير) 2015م .

وأشار المحاضر إلى أن العصر الحديث هو عصر استقلال العلوم وتأصيلها وكان للأدب والنقد نصيبها من ذلك، ففي ميدان الأدب ظهرت المذاهب الأدبية وتحددت الأجناس الأدبية وتطورت، وواكب ذلك النقد الأدبي بعد اتصاله بالعلوم المختلفة، فتتابع ظهور المناهج النقدية، موضحًا بأن الغرب هو صاحب السبق في هذا السياق، حيث جاءت تلك المذاهب والمناهج معبرة عن ثقافات تلك الأمم، وملبية احتياجاتها الفكرية والفنية، ومعبرة عن تصوراتها ومعتقداتها، والعالم الإسلامي –بوصفه جزءًا من هذا العالم الفسيح- تلقى تلك المذاهب والمناهج؛ متأثرًا بها، وغالباً ما كان ذلك التأثر دون وعي بالفروق بين البيئات التي أوجدت تلك المناهج، وما تحمله أمتنا العربية الإسلامية من تصورات صادرة عن معتقداتنا الإسلامية الصحيحة وتراثنا العربي الأصيل المتأثر بتلك القيم.

وركز في محاضرته على النقد الأدبي الذي تحتضنه المؤسسات التعليمية الجامعية في ميداني: التدريس والبحث، داعيًا إلى حل المشكلات في الصلات بين النقدين: القديم والحديث، موضحًا أن هناك انفصالاً واضحًا يعيشه الدارس والباحث في آن واحد، فعندما يتجه الدارس إلى النقد القديم يجده نقدًا متداخلاً مع البلاغة في أعلامه ومؤلفاته وقضاياه ومصطلحاته، ويفتقد الرؤية الواضحة، كما قدمته كثير من الدراسات النقدية الحديثة التي عنيت بدراسة ذلك النقد، كما يتفاجأ الدارس للنقد الأدبي الحديث بانقطاع الصلة بين ما درسه في مقررات النقد القديم، وما شرع في دراسته في مقررات النقد الحديث، إذ يطالع نقدًا ينحو نحو العلم، وهو نقد غربي المنشأ، لغته ومصطلحاته غربية عما استقر في الأفهام، أعلامه غربيون ومؤلفاته تبعًا لذلك غربية وجهد النقاد فيه لا يعدو الترجمة، ومن ثم التطبيق على النصوص العربية، أما الباحثون فيخضعون النصوص الأدبية العربية القديمة والحديثة على حدّ سواء إلى ذلك النقد، وهذا الأمر يجعل النظرة النقدية لتلك النصوص تفتقد الإنصاف والدقة مستشهدًا باتهام الدكتور الغذامي لمعلقة “زهير بن أبي سلمى” بالتناقض، وذلك في قوله: “وهذا تناقض غريب تقع فيه قصيدة زهر، ولا تقوى هذه القصيدة على تفسير نفسها مما يوقعها في تصدع داخلي ويفككها”، حيث قارب الدكتور الغذامي معلقة زهير مقاربة تفكيكية / تقويضية، أو تشريحية كما سمَّاها، واتخذ من بيتين من المعلقة فجوة، توصل من خلالها إلى الحكم عليها بالتناقض الغريب، وحاول بعد ذلك الاعتذار له بتباعد مدد كتابة قصائده، ورأى المحاضر بأن المشكلة الحقيقية ليست في معلقة زهير التي تخلو من التناقض، لكن المنهج النقدي الذي اتخذه الناقد وسيلة لمقاربة النص هو من أخفق في التعامل مع النص، فالتفكيكية تعزل النص عن المؤثرات الخارجية، وتتجاهل طبيعة العصر الذي أُنشئ فيه، وتُزعزع البنية الثابتة وتُخلخل المفاهيم القارة وتبحث عن التناقض. وهكذا تتكرر المشكلة في كل قراءة نقدية للأدب القديم بنظريات نقدية غربية حديثة.

وفي الختام تساءل المحاضر: أين نقدنا العربي القديم من النقد الحديث؟ وأين جهودنا في تشكيله؟ أليس من حقنا أن يكون لنا منهج نقدي خاص، يعبر عن ماضينا وحاضرنا ويراعي خصوصية إبداعنا؟ أليس من حقنا أن نستحضر نقدنا القديم اليوم في ميداني: التدريس والبحث العلمي بصورة جديدة منصفة ؟ مستشهدًا بمشروع الدكتور عبدالعزيز حمودة –رحمه الله- النقدي المتمثل في ثلاثة كتب مهمة، وهي محاولة جادة لتقديم البديل العملي، ثم فُتح المجال للمداخلات والمشاركات التي أثرت الموضوع والأسئلة التي تفضل بالرد عليها.