m

فئة :

2012 Mar 15

خطاب الكراهية في ثقافتنا

أعرب الدكتور نادر كاظم، الكاتب البحريني والأكاديمي المختص بالنقد الثقافي، عن أسفه من تنامي خطاب الكراهية في العصر الحديث, وتوظيف ثقافة الكراهية الـمُصطَنَعة في الكسب السياسي، مشيرًا إلى أنَّ ديننا الحنيف ينبذ تلك الثقافة, وعلى الرغم من هذا فإنَّ ثقافتنا عبر التاريخ مليئة بالكراهيات, وقد كانت أكثر حدَّةً وقسوة ولكنَّ الأجيال القديمة استطاعت التعايُش وامتصاص تلك الكراهيات بأسلوب أفضل من الجيل الجديد الذي أصبحت تنمو لديه ثقافة الكراهية بشكلٍ يدعو الجميع إلى الحدِّ منها والحيلولة دون توسُّع دائرتها لـِمَا تخلقه من صراعاتٍ في المجتمع الواحد، جاء ذلك في محاضرةٍ ألقاها في خميسية حمد الجاسر الثقافية في يوم الخميس 22 ربيع الآخر 1433هـ الموافق 15 مارس 2012م, وأدارها سعادة الدكتور حمزة المزيني.

وقد تحدَّث الـمُحاضر عن استيائه تجاه نظرة العرب الدونية للسُّود, مبديًا إعجابه بتقلُّص خطاب العنصرية وثقافة الكراهية في أمريكا ونظرتها إلى الأسود بعد أن كانت قبل قرنين من الزمن تعجُّ بخطاب العنصرية, وكانت جزءًا من الخطاب اليومي, وسرعان ما تلافوا هذه المشكلة اليوم بعد أن عرفوا آثارها السلبية, وأصدروا القوانين التي تجرِّم الممارَسات العنصرية, وكذلك هي الحال في الدول الأخرى.

وأشار إلى وجهة نظر ابن خلدون في أنَّ الحضارة تليِّن عريكة البشر وتُساعد أكثر في النضج الفكري, مؤكدًا أنَّ البشرية على الرغم مما أحرزته من تقدُّم مذهل على مستوياتٍ عديدة إلا أنها لا تزال عاجزةً عن التقدُّم بخطى ملموسة على صعيد التعامُل مع هذه النوازع العدوانية التي يبدو أنها أعمق تجذُّرًا مما توهَّم بعض الذين حلموا فيما مضى بعالَمٍ بلا طبقات وبلا عداوات وبلا صراعات وبلا كراهيات، وتحدَّثوا عن «مسار ينتهي لا محالة بانتصار البروليتاريا, وسيضع هذا الانتصار حدًّا نهائيًّا لهذه العدوانيات والتناقُضات بين البشر».

وأكَّد الـمُحاضر أنَّ هذا الانتصار لم يتحقَّق كما بُشِّرَ به, والعداوات والتناحُرات والكراهيات والأحقاد العنيدة لم تختلف, بل لا تزال الكراهيات المنفلتة إلى اليوم قادرةً على الاستفزاز والجرح والإيذاء، وازدادت قدرةً على ذلك مع زوال عزلة الجماعات (القوميات والأديان والطوائف) وتقدُّم الاتصالات بحيث صارت أخبار الكراهيات وحوادثها تنتقل بسرعةٍ فائقة، وكأنَّ التسهيل اللامتناهي لوسائل الاتصالات،الذي ابتدعته البرجوازية وراهن عليه الماركسيون فيما بعد، قد بدأ يفعل فعله ولكن بطريقة عكسية.

وأوضح أنَّ التعصُّب والتقوقُع القوميَّين لم يتراجعا, وموقف العداء داخل الأمة وبين الأمم لم يختلف, والكراهيات بين البشر لم تهتزّ بل صارت تتغذَّى على هذا التسهيل اللامتناهي لوسائل المواصلات والاتصالات وتتوسَّل به، بل تطوِّعه أيضًا لصالحها. مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنَّ أهم عامل يُغذِّي الكراهية هو العزلة الجغرافية والتقوقُع والانكفاء وهو عامل قديم بين الجماعات, وقد تمكَّنت هذه الجماعات في ظلِّ هذه العزلة من إنتاج كراهياتها وتداوُلها دون تكاليف باهظة.

ورأى الـمُحاضر أنَّ وسائل المواصلات والاتصالات هي وسائل مرنة وطيِّعة ويمكن استخدامها في خدمة الأغراض المختلفة إيجابيًا، وأنَّ الجماعات تستطيع محاربة العزلة والكراهية بالاستعانة بهذه الوسائل؛ لـِمَا تقدِّمه من خدمة تقريب المسافات وتقليصها وتجاوُز الحدود الجغرافية التي كانت تفصل بين تلك الجماعات.

ثم فُتح المجال للمداخلات والأسئلة التي أَثْرََت الموضوع.