m

فئة :

2012 Mar 08

الوضع الراهن للثقافة في العراق

افتتح الدكتور رشيد الخيون محاضرته بالحديث عن مكانة علاَّمة الجزيرة العربية حمد الجاسر في الثقافة العراقية، وعلاقة المثقَّفين العراقيين به وحبِّهم لشخصيته المعتدلة، وحرصهم على نشر بحوثهم في مجلة العرب, وأضاف: إنَّ مَن يطَّلع على الجهود البحثية والتوثيقية لهذا الرَّجل لا يستغرب تمييزه بهذا اللقب. وتحدَّث عن الصِّيت الذي ملأ مسامعه عن الشيخ حمد الجاسر في زيارته الأولى لمدينة الرياض له على 2010م إنَّ مجلسه استمرَّ أسبوعيًّا باسم “الخميسية”، وتوجَّه إليه بعد سؤاله عن العنوان بدون سابق معرفة، فوجد الناس هناك لا يحتاجون إلى مقدِّماتٍ في التعارُف. جاء ذلك في محاضرةٍ ألقاها بعنوان “الوضع الراهن للثقافة في العراق” في يوم الخميس في 15 ربيع الآخر 1433هـ الموافق 8 مارس 2012م في خميسية حمد الجاسر بالرياض، وأدار اللقاء سعادة الأستاذ محمد رضا نصر الله.

وقد أشار الـمُحاضر إلى أنَّ للعلاَّمة الجاسر صلات وصداقات مع أعلام عراقيين، ويأتي في المقدمة الناقد والأكاديمي المعروف علي جواد الطاهر (ت 1996م)، ومحمد مهدي المخزومي، الذي رأس قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود بالرِّياض في أواسط الستينيات من القرن الماضي.

وانطلق الـمُحاضر بعد هذا الاستهلال إلى رحاب تأسيس الثَّقافة العراقية، بدايةً مِن بغداد العباسية حتى بغداد عشرينيات القرن الماضي، متحدِّثًا عن تلك الفورة الثقافية والعلمية والفنِّية، وعرَّج على ذِكر شخصيات ثقافية كبيرة مثل: معروف الكرخي (ت 200 هـ)، وأبي نواس (ت 198 هـ)، والحسين الحجَّاج (ت 391 هـ)، والشيخ المفيد (ت 413 هـ)، وصولاً إلى أنستاس الكرملي (ت 1947م), ومحمود شكري الآلوسي (ت 1924م)، وسليمان بن صالح الدّخيل (ت 1944م)، وهبة الدِّين الشَّهرستاني (ت 1967م) وغيرهم كثير . موضِّحًا أنَّ الحياة الاجتماعية والثقافية لبغداد كانت تستقطب العلماء والمثقَّفين، وأنَّ المعتزلة اكتشفوا الجاذبية الأرضية ودوران الأرض في القرن الرابع الهجري، على الرغم من تردِّي الأوضاع السياسية في تلك الفترة.

وأشار إلى أنَّ الحديث عن الثقافة العراقية ذو شجون, مستشهدًا بقول ابن خلدون في مقدمته: سمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أنَّ أصول فنِّ الأدب وأركانه أربعة كتب وهي: أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي، وما سوى هذه الأربعة هو تَبَعٌ لها وفروعٌ منها .والكتب الثلاثة التي عدَّها ابن خلدون قد رجعت في كثيرٍ من فصولها إلى البيان والتبيين !

وأوضح الـمُحاضر أنَّ فترة الحصار التي شهدهما العراق في تسعينيات القرن الماضي حوَّلت العقل العراقي إلى تراب، وتحوَّل أساتذة الجامعات إلى سائقي (تاكسي) وعمَّال في المطاعم، وصدرت قرارات بمنع إخراج الكتب من العراق، وطغى النفاق على المشهد الثقافي، مستشهدًا بإطلاق محمود درويش لقب “وزير الشعراء” على وزير الثقافة العراقي لطيف نصيف الذي يحمل شهادة في الهندسة الزراعية، وقول نزار قباني في الرئيس العراقي الراحل صدَّام حسين: «رأيتُ الماء الأخضر في عينيك». كما أشار إلى أنَّ الحزبية أدَّت إلى حصر الثقافة في الحزب الواحد، وفُرضت اللغة العربية الفصحى على المدارس، إلا أنَّ الحرب العراقية الإيرانية فتحت المجال على الشعر الشعبي والـمُبتَذَل والمذهبي.

وسرد خيون سيرته الذاتية التي بدأها معلمًا للمرحلة الابتدائية، وواصل تعليمه وتَخَصَّصَ في الفلسفة، ثم الفلسفة الإسلامية، وتَخَصَّصَ في التسامح بين الأديان والمذاهب. وتحدَّث عن انتقاله إلى اليمن، وروى ما حصل له عند تأليف كتاب “بعد إذن الفقيه”، وعن حيرته في تسميته، وما تناوله فيه من الحجاب والتحريم والسرقات الأدبية، وما واجهه من جماعة رجل الدين الشيرازي الذين كانوا يسألونه عن الفقيه الذي أَذِنَ له. واختتمت المحاضرة بالأسئلة والـمُداخلات التي أثرت الموضوع.