m

فئة :

2019 Nov 09

العماري في مجلس حمد الجاسر ينفي وجود الأسد في شمال الجزيرة العربيّة

نفى الدكتور فضل العماري وجود الأسد في شمال الجزيرة العربية وقال: إن وصف شعراء الشمال له كان وصفًا خياليًا واقتصر وجوده على الجنوب مستعرضًا أمثلة على تلك المناطق وما جاء في الشعر وكتب الأدب وفي مقدمتهم بديع الزمان الهمدانيّ وقدم فكرة عامة عن طبيعة الأسد وآراء الدارسين المعاصرين حول شعر عروة ابن الورد وشعر أبي زبيد في الأسد، جاء ذلك في محاضرة قدّمها بمجلس حمد الجاسر، أدارها أ.د.منذر كفافي، ضحى السبت 12 ربيع الأول 1441هـ الواقع في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019م بعنوان “الأسد في جزيرة العرب: قراءة في ديوان الشّعر العربيّ”.

وقدم العماري بداية محاضرته فكرة عامة عن طبيعة الأسد وقال: إن الأسود تتكون عادة من أسرة “زمرة”، أو من لبؤات وأشبال، يتزعمها الأسد في محيط واحد، وهي تعيش متكاتفة ومتلاصقة ومتحابة وتجاورها زمرة أخرى على المستوى نفسه، وأوضح أن الأسود لا تعيش في البراري والأحراش النائية فهذه لا تناسبها ولا تستطيع التكيّف معها إذ لابد من الأنهار والوديان والمياه الجارية وتكثر في الغابات المفتوحة، وطعامها الغزلان والثديّات، و لا تأكل الإنسان إلا حال الجوع الشديد، وقال: إن الأسد لا يتعقب الفرائس ليلاً واللبؤات هي التي تقوم بالمطاردة في الغالب.

واستعرض أبياتًا من قصيدة عروة بن الورد وآراء الدارسين المعاصرين؛ حيث يقول خليف: “الشعراء الصعاليك تعرّضهم بالوصف الدقيق المفصّل، الأمر الذي لا يتهيأ إلا لمن اتصل بها اتصالاً قريبًا عرف من طبائعها وعاداتها، ففي شعر عروة وصف للأسد” وقال: إن هذا خطأ من ناحيتين: الأولى: أن خليفًا أشاع فكرة الصعاليك الخارجين على المجتمع الطالبين للعدالة الاجتماعية ولا أحد كان كذلك في الجاهلية، والثانية: أن عروة لم يزر قط “عثر” في مرتفعات جازان حيث الأسود تتمنع الأسود، وذكره في أبياته لا يعني الاتصال بالأسد، وإنما هو انعكاس للثقافة عن الأسد فأعداؤه يتمنون موته إما بالقتل وإما بالافتراس.

كما تابع نوري حمودي القيسي خليفًا؛ فقال عن شعر عروة ذاك: “رآه عن قرب، وتأمل حركاته وأدرك ما يصيبه وهو يهم بالهجوم، ويترصد الفريسة وأحس بزمجرته…” كما فهم صلاح عبدالحافظ الفهم نفسه.

وقال: علينا أن نضع في الحسبان الطبيعة الطبغرافية لمنطقة شمال الجزيرة العربية ففي ضوء الدراسات الحديثة والمعطيات الميدانية، فإن المنطقة كلها لا تصلح لحياة الأسود بها.

وانطلق من القاعدة التي جددها الهمداني وهو العالم بطبيعة الأرض وبحيويتها في قوله: “ما انحدر إلى تهامة فالأسد فيها” وقال: إن الهمداني قرر حقيقة علمية ثابتة لديه من كون مواطن الأسد هي منحدرات السراة غربًا، وقد ظلت الأسود معروفة فيها حتى وقت قريب، فالحربي يثبت أن وادي “بيش” بتهامة، كما يذكر سعيد القحطاني بأن الأسود موجودة في تهامة عسير وتهامة قحطان والفرشة إلى فترة قريبة.

وذكر المحاضر أن أبا زبيد الطائي شكّل التباسًا شديدًا على الدارسين بتقديم نفسه على أنه التقى الأسد، وذكر ذلك في شعره حيث يرى غالبية الدارسين أنّ تلك الصور شتات مجتمعات للقطات سابقة في الذاكرة نظرًا لدقة وصفه توحي بأنه التقى بالأسد فكوّن تلك الصورة، وقال: إن الدارسين لم يعيروا مقولة بلاشير أدنى اهتمام – مهما كانت مصداقيتها – حين استنتج أن حكايات أبي زبيد عن لقائه الأسد: قصة موضوعة” مع إقراره بأنها “ذات شكل أدبي رائع”، وهو وصف للأسلوب بعيد عن تبني نسبة القصة إلى أبي زبيد.

وأشار المحاضر إلى أننا نتعامل مع الأسد من خلال التراث الشعري فقط، وليس هناك معايشة مباشرة به، ولم يتحدث أحد قط عن لقائه بالأسد في المنطقة التي اشتهر بها على الأقل، فيما قالوا عنه: “مأسدة”، والصور التي قدموها تعود إلى أحقاب موغلة في التاريخ القديم، ثم إننا باستثناء وصف أبي زبيد – لا نخرج بصورة كلية عن الأسد، وما نراه هو عبارة عن صفات جسدية محدودة، متداولة، وذكر زئيره، وموضع وجوده، ويبدو أن الهدف هو إظهار الأسد بمظهر الحيوان المفترس المعتدي على الإنسان.

وقال: إن كل صور الافتراس التي قدمها أبو زبيد صور أحادية، في منطقة طاردة للأسود وهذا يعني أن صور الافتراس حتمًا ليست للأسد، وأن أدنى ما يقال في صور الأسد عند أبي زبيد: أنها صور تجميعية لما اختزنته الذاكرة عن الأسد في الشعر خاصة، وأن لقاء الأسد بالإنسان شعريًا –في الجزيرة العربية- لم يقع قط، وإنما هي صور بعيدة الغور من الذاكرة الجمعية العربية.

وفي ختام محاضرته ذكر بعض مواضع الأسد وتوقف عند موضع مشهور هو “بيشة” مستشهدًا بما ذكره الهمداني وياقوت وحمد الجاسر في تحقيقه كتاب الأماكن لمحمد بن موسى الحازمي.

جدير بالذكر يقدّم الأستاذ الدكتور عزالدين موسى محاضرة ضحى السبت القادم 19 ربيع الأول 1441هـ الواقع في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019م في مجلس حمد الجاسر بعنوان: “رؤية قرآنية للسنن الإلهية للتاريخ البشريّ: دراسة أوليّة”. ويدير اللقاء د.عبدالرّحمن الرّحمة.