m

فئة :

2021 Oct 30

العلاقة بين الأدب والأخلاق كالعلاقة بين الروح والجسد

افتتح سعادة الأستاذ الدكتور منذر كفافي محاضرته بتعريف الأدب والأخلاق والعلاقة الوثيقة بينهما، مؤكدًا أن الأدب يرفض الفحش ويدعو إلى القيم الأخلاقية، مستعرضًا مواقف النقاد وموضحًا أنه يقف موقفًا وسطًا من آراء النقاد، ومشيرًا إلى أن الأخلاق مهمة في الحكم على الأدب، لكنها ليست الجانب الأوحد، فالناحية الجمالية لها دور في إعطاء الأدب دوره وقيمته.

جاء ذلك في محاضرة قدّمها في مجلس حمد الجاسر بعنوان “الأدب والأخلاق”، وأدارها الأستاذ الدكتور أبو المعاطي الرمادي، ضحى السبت 24 ربيع الأوّل 1443هـ الموافق 30 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2021م.

وركز في محاضرته على عنصرين: الأول حول نظرة النقاد العرب القدماء إلى هذه العلاقة بين الأدب والأخلاق، والآخر عن علاقة الأدب بالأخلاق بالعصور الأدبية المتتابعة.

وأشار إلى أن الأدب في أصله تعبير عن المجتمع، وهو صورة مجملة عن الواقع الذي نعيشه، والأديب يجب أن يكون مؤدبًا وموجهًا، فيجتنب عن قول الشعر الفاحش، ولا يمكن أن تفصل بين الأدب والأخلاق فهما كالروح والجسد، مؤكدًا بأن الأخلاق تدخل في كل نشاط اجتماعي للأفراد والجماعات.

وعن نظرة الأدباء القدماء، ذكر أنهم انقسموا إلى فريقين، الأول: يرى ضرورة تحكيم الجانب الخُلقي في الحكم على الأدب كابن طباطبا في كتابه (عيار الشعر) والمعري في (رسالة الغفران) وأبي بكر الباقلاني وابن قتيبة واختياراته في كتبه وابن شرف القيرواني، ويرى الفريق الثاني أن الحكم على الأدب يكون من ناحية جمالية فنية، ومنهم ابن سلام في طبقاته، وقدامة بن جعفر، والصوري، والجرجاني، مستعرضًا بعض الشواهد للفريقين.

ثم انتقل إلى الجانب الثاني، وهو العلاقة بين الأدب والأخلاق في العصور الأدبية المتتابعة ففي الفن الإغريقي جعلوا قيمة الشعر تكمن في المنفعة والمتعة، وقدموا المنفعة على المتعة كأفلاطون الذي جعل الشعر الغنائي في مقدمته والملهائي في آخرته، وفي العصر الجاهلي كان الأدب يدعو ويخطط نحو نظرية أخلاقية في النقد العربي، ففيه الدعوة إلى الكرم والشجاعة وحسن الخلق وغيرها من الصفات الحميدة، كالنابغة الذبياني، وعروة سيد الصعاليك، وفي صدر الإسلام قسم الشعر إلى قسمين: الشعر الذي يدعو إلى القيم الأخلاقية وكان مقبولاً، والشعر الذي يدعو إلى غير ذلك، وكان مرفوضًا، وكان الجانب الأخلاقي مسيطرًا خلال تلك الفترة، حتى إذا ما جاء العهد الأموي كان التركيز على الجانب الأخلاقي في الأدب، واستمر ذلك عند الخلفاء العباسيين والعصور اللاحقة.

واختار المحاضر مثالاً وُجد بعد العصر الأموي، وهو كتب المختارات الشعرية ليؤكد كيف وجدت العلاقة بين الأدب والأخلاق في تأليف الكتب، وهي تقسم إلى ثلاثة أقسام جاء في مضامينها القيم الأخلاقية التي تُربى عليها الناشئة، والهدف من إنشائها بأن تصبح جانبًا تربويًا تأديبيًا، مستعرضًا عددًا من الشواهد التي تدعو إلى القيم الأخلاقية كالكرم والفروسية والحماسة.

وقال: إن غياب صفات المرأة والابتعاد عن مدحها في مختارات الشعر الجاهلي كان أمراً متصلاً بالقيم الأخلاقية؛ حتى الشعراء الصعاليك وصفوها بغزل حسي.

وحول ما أسماه تيار (الغزل في الحج) وذلك في العصر الأموي، قال الدكتور كفافي أنها صفات خيالية مثالية لم تُقل في موسم الحج؛ لأن القيم الأخلاقية كانت تمنع اللقاء في ذلك الوقت.

وختم المحاضر محاضرته بالحديث عن الجانب النثري، حيث ذكر أن له علاقة وثيقة جدا بالجانب الخُلقي، مستشهدًا بالرسائل والأمثال والوصايا والخطابة وما تضمنته كل تلك الأجناس من دعوة إلى قيم أخلاقية تُربى عليها الناشئة، وهذا يؤكد أن الأدب لم يُكتب إلا لبيان القيم الأخلاقية في المجتمع.

ثم فُتح المجال للمداخلاات التي أثرت الموضوع والأسئلة التي تفضل بالرد عليها.