الزيلعي وابن تنباك في سبتية حمد الجاسر يستعرضان ذكرياتهما مع الفقيد الدكتور عوض القوزي ومسيرته العلمية

فاضت عيون الدكتور أحمد الزيلعي بالدمع وهو يروي هول الصدمة والفجيعة التي داهمته فور علمه بنبأ الحادث الذي تعرض له الدكتور عوض القوزي رحمه الله، فجاء لزيارته من لندن والاطمئنان عليه، إذ عجز عن البقاء في موطن ذكرياته الجميلة مع أخيه ورفيق دربه، تلك الذكريات التي كانت تنكأ جراحه أكثر، وتزيد من ألمه على ما أصاب رفيق عمره، وتخْنُقُه العَبْرة أحياناً على الرغم من أنه عصي الدّمْع، وحينما عاد إلى أرض الوطن، فوجئ بمجرد وصوله إلى المستشفى بما لايسر، حينما علم لثوان مضيْن قبل دخوله عليه بأن روحه فاضتْ إلى بارئها، وأن رفيق الدرب فارقه إلى الأبد، فأمسى حاله -كما قال- شبيهًا بحال الشاعر مُتمّم بن نُويْرة بعد موت أخيه مالك بن نويرة، الذي رثاه مُتمّم بأجمل ماعرف الشعر العربي من فنّ الرثاء، جاء ذلك في محاضرة أُلقيت في سبتية حمد الجاسر الثقافية يوم السبت 6 محرم 1435هـ الموافق 9 نوفمبر 2013م بعنوان “تأبين العالم اللغوي د. عوض القوزي شارك فيها كلٌ من سعادة الدكتور سعادة الدكتور أحمد الزيلعي -عضو مجلس الشورى- وسعادة الدكتور مرزوق بن تبناك أستاذ الأدب العربي، افتتحها الدكتور الزيلعي بسرد ذكرياته مع الدكتور عوض رفيق دربه، ووصفه بسيبويه زمانه وعالم عصره، مثنيا على صفاته التي ميزته عن الجميع، من سماحة وتواضع وحب للخير ودماثة خلق، مستعرضًا بدايات حياته، حيث ولد القوزي رحمه الله ونشأ في بلدة القوز بمحافظة القنفدة، وكان متفوقًا منذ المراحل التعليمية الأولى، ولمدرسته قصب السبق على سائر المدارس المشاركة، وللتلميذ عوض القوزي ذي الجسد النحيف والأيدي النحيلة والصوت الشجيّ نصيب الأسد في تجليّات ذلك المهرجان والفوز بجوائزه وتصدره للمراتب الأولى، وقد لازمه تفوّقه طوال سنيّه الدراسية، منتظمًا في معهد المعلمين الابتدائي بالقنفذة ومركز الدراسات التكميلية بالطائف، ومنتسباً في المراحل المتوسطة والثانوية والجامعية التي اجتازها جميعها بتفوّق، وهو على رأس عمله معلمًا بالمرحلة الابتدائية في أكثر من مدرسة من مدارس القنفذة، ثم في مكة المكرمة، ومنها إلى الرياض، وكانا زميلين متلازمين في الرياض، لا يفترقان إلا في النوم والعمل، وكان يجمعهما هدف واحد هو الحصول على الشهادة الجامعية، ثم العودة إلى محافظة القنفذة للإسهام مع أهلهم في نهضتها الحديثة التي بدأت بواكيرها تلوح في الأفق، خصوصًا بعد الزيارة الميمونة التي قام بها سمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة مكة المكرمة حينذاك إليها، وذلك في عام 1392هـ. إلا أن قَدَرَ الله سبحانه وتعالى كان فوق كل شيء، إذ رُشّحا مُعيدين في الجامعة، د.عوض -رحمه الله- في قسم اللغة العربية، والدكتور الزيلعي في قسم التاريخ، وابتدأت مرحلة جديدة في حياتهما، حيث حصلا على الماجستير في الجامعة نفسها، ثم الدكتوراه في بريطانيا، وقد كان د.عوض في جامعة أكسفورد، ود.الزيلعي في جامعة درهام في الشمال الشرقي من أكسفورد.

وعلى الرغم من بعد المسافة بينهما فإنهما كانا على اتصال شبه يومي عن طريق الهاتف، ولا يكاد يمر شهر دون أن يلتقيا في لندن بسبب أو بدون سبب، ثم ازداد تواصلهما والتقاؤهما بعد تأسيس صندوق الطلاب السعوديين في بريطانيا بجهود مشكورة من رفيق دربيهما سعادة د.مرزوق بن تنباك، الذي كان حينذاك يحضر لدرجة الدكتوراه في جامعة أدنبره باسكتلندا.

ثم بدؤوا في إصدار مجلة الطالب الشهرية التي تشكّلت هيئة تحريرها من كل من: الدكتور الزيلعي، والزميلين أ.د.عبدالله المعطاني، ود.محمد بن سليمان الأحمد، برئاسة حبيب الجميع أ.د.عوض القوزي رحمه الله، فازداد تواصلنا.

كما وصفه د.الزيلعي الذي سايره منذ ما يزيد على أربعين عاماً بأنه من أكرم الناس، وأفضلهم عشرة وأكثرهم تسامحًا وسعة صدر، لا يحمل على أحد، ولا يعرف الحقد والكراهية إلى نفسه سبيلاً.

ثم عرّج على الحديث عن إصداراته ومؤلفاته وكتبه التي أثرى بها المكتبة العربية في مجال النحو واللغة، كما أن له من التآليف والدراسات والبحوث والكتب المحققة الشيء الكثير، بعضها نشر، وبعضها لم يَرَ النور إلى الآن، وطالب بأن تسارع الجهات التي تقدّر جهود أبي محمد ودقّته في التحقيق إلى إتمام الأجزاء المتبقية من تحقيقه لشرح أبي سعيد السيرافي لكتاب سيبويه.

وللدكتور عوض -رحمه الله- حضور مميز في المؤتمرات والندوات المحلية والعربية والعالمية، وهو عضو بارز في عدد من الجمعيات والاتحادات العلمية، بما في ذلك عضويته في مجمعي اللغة العربية بدمشق والقاهرة.

ثم تحدّث الدكتور مرزوق بن تنباك عن ذكرياته معه أيضًا، وعن الأعمال المشتركة التي جمعتهما طوال حياة الدكتور عوض القوزي، وعن صفاته، وعن الجهود العلمية للدكتور عوض رحمه الله، وعن اهتمامه بحماية اللغة، وعن مشاركاته العلمية في الندوات والمحاضرات والمؤتمرات، وعن اختياره عضوًا في مجمعي اللغة العربية في دمشق والقاهرة، وكان ذلك للمكانة العلمية التي كان يحظى بها الدكتور القوزي، ولبحوثه الأكاديمية وأعماله التي كان لها دورها الكبير في حماية اللغة وحفظها.

كما صرح الدكتور مرزوق بن تنباك بعزم كرسي الدكتور عبدالعزيز المانع على استكمال مشروع الدكتور عوض القوزي (شرح السيرافي لكتاب سيبويه)، الذي سيربو على عشرين مجلدًا، أنجز منها سبعة أجزاء ، ثم تحدّث الشيخ عبده بن محمد أحمد القوزي عن الصفات التي تميز بها الدكتور عوض القوزي بين أهله، وتعاونه في كثير من القضايا التي تهم المنطقة، ودوره في الصلح بين الناس وخدمة المحتاجين وتكفله بنفقات الكثير من الطلاب في المملكة وخارج المملكة، والتي عرفها الناس بعد موته، وكانت من أعمال الخير التي يكتمها الفقيد رحمه الله رحمة واسعة.

ثم تحدّث الدكتور أحمد الضبيب الذي وصف القوزي بأنه حامي العربية، وذكر جهوده وقدّم نبذة موجزة عن مسيرته العلمية وذكرياته معه، كما أُتيح المجال للحضور من زملائه ومحبيه وتلامذته، الذين سردوا ذكرياتهم مع الفقيد، وألقوا بعض المرثيات والقصائد الشعرية.