m

فئة :

2012 Oct 18

الذات وفعل التصوير عند ابن المعتزّ

أوضح الدكتور أحمد حيزم بأن سؤال الذات هو سؤالٌ معرفيٌ عن الوعي بها، وقد تردّد تقليب النظر فيه في الدراسات الفلسفية والأنثروبولوجية والثقافية والتاريخية والنفسانية والسيميولوجية واللسانية والجمالية، وغير خفيّ سيطرة النزعة الأيديولوجية على ما شاع من كتابات عربية في هذا الموضوع، وهي سيطرة غدت بها الكلمة وروابطها – ولا سيما الهوية – موضع رهان لأنظمة فكرية ومذهبية متصارعة لا تزال تتردّد أصداؤها. جاء ذلك في سياق محاضرة علمية قدّمها في خميسية الجاسر الثقافية يوم الخميس 2 ذو الحجة 1433هـ 18 أكتوبر 2012م. بعنوان “الذات وفعل التصوير عند ابن المعتز”، وأدارها سعادة الدكتور عبدالفتاح يوسف، اختار المحاضر فيها متابعة هذه المسألة الفلسفية من خلال فعل التصوير في شعر ابن المعتزّ، وهو شاعر وصف بارز دون منازع، وقد شاع اليوم أن ليس ثمة ما يجلو مكامن الذات مثل وصفها للكون وأشيائه.

وأشار في بداية محاضرته إلى أنه لا يزعم التأسيس لمعنى جديد للذات، وإنما يروم البحث متوسلاً بما انتهى إليه من المعارف، أن يتبيّن كيفية تحقّق الذات في الأعمال الأدبية، بغية إدراك منزلة صاحب اللفظ من لفظه، أو منشئ الخطاب من خطابه. هل هو السلطة التي تنتج الملفوظ أم هو حادث عن القول؟ يظهر أو يتخفّى حسب اشتغال الملفوظ حتى لكأنّ اللغة تحكي ذاتها في غير ما حاجة إلى متكلّم يحكيها. ولكن، أيّ ذات؟ وبديهي أن الخطاب الواحد ترتفع فيه أصوات عديدة لا يجوز ردّها إلى المتلفّظ وحده واعتباره المصدر الكلّي الجامع. فكلّ خطاب يجري في بحر من الخطابات الأخرى، والمتلفّظون مسكونون بنزعة التواصل والحوارية؛ ذلك هو الظرف اللازم لتحقّق الذات في الخطاب الأدبي. وليس ثمّة من خطاب في مأمن من سلطة الذات وإن اختلفت القرائن التي تدلّ عليها. وهي متحقّقة فيه وإن تفاوتت على قدر تحقّقها للاختيار في الخطاب. لذلك، فإنّ الدارس مدعوّ إلى أن يتدبّر الاجراءات التي يخلّف بها المتلفظ آثاره في ملفوظه ويجدّد امتلاك اللغة.

ثم تساءل المحاضر عن الوصف، ماذا وصف الشاعر؟ لماذا وصف ما وصف؟ ما ظرفية الوصف ووظائفه؟ ما مرجعية الوصف وارتباطاته؟ موضحًا أن هذه الأسئلة نظريةٌ عامة غيرُ مرتبطة بخصائص خطاب بعينه، لذلك فإنَّ الجواب عنها لا يُدرك من النجاعة إلا بما يكون به منبثقًا من نسيج الخطاب على أنّه يجوز للدارس، في ما نقدّر أن يلتمس جواباً أوّليا يجعله مدخلاً إلى التحليل المرجوّ عساه ينتهي منه إلى خصائصه المائزة؛ فليست نوعية الموصوف هي التي تُميز الشاعر أو تُفصح عن الأنا الباطن منه. وليس الشاعر بما يصف، فقد يُشاركه غيره فيه؛ وإنّما هو بكيفيات العرض والتسمية التي تميز الواصف؛ وهي التي تُكسب الفعل الثقافي المشترك خاصة صاحبه عند التسمية. هذه الكيفية تظهر في مبررات الوصف، وهي ليست ثابتة عند الشعراء جميعاً، وتظهر في ظرفه بُنيته وأدواته منتظمةً في خطاب خاص. وهذا يعني تقصّي الكيفية التي تتشكّل بها الذات في الخطاب الواصف. وهو أمر تقصاه المحاضر في عبارات ابن المعتزّ.

وأشار بعد ذلك إلى أن القضية تكمن في ما تضمّنته العبارة المصورة من أدوات في كونها تحققّت في استعارة أو تشبيه أو كون الاستعارة جرت في فعل أو اسم، أو متابعة أطراف التشبيه القائمة وأدواته المعتمدة. هذا التصنيف يُسلم إلى ردّ الاختيار إلى كليات لغوية بلاغية، وإلى تعيين آليات التمثيل؛ وهو ضربٌ من النظر منصرف عن ذات المتلفظ بما نفهم من قضايا التلفّظ. وليست المزية في شعر الرجل كونه عرض في شعره نسيج لوحات واصفة، فهذا مشترك عام الشركة؛ وإنما في الكيفية التي تتشكّل بها اللوحة. والذي يعني المحاضر هو أنَّ النسيج قد اقترن بالجري بريح الأوائل ومحاولة سبقهم. وهذا يعني أنّ الوصف، وهو ينعقد إلى السرد، لا يسرد فحسب قصّة الوقائع الموصوفة، وإنما أيضًا “تاريخية” الإنشاء فيها؛ وتلك خاصة في خطاب ابن المعتز. وهذا يعني أنَّ التحليل ينبغي أن يتحوّل من مشغل الحدود موضوعًا إلى مشغل الكيفية التي يصنع بها المتكلم المعنى. وهو ما يعني صيرورة الحدث الاستعاري.

وأشار في ختام المحاضرة إلى أن المقاربة التقليدية للتعابير المصوّرة مقاربة دلالية، تختزل فعل الإبدال في حدود الكلمة، متنكّرة للذات أو تكاد، وكذلك شأن المقاربات الدلالية الحديثة. وأمّا المقاربة الإدراكية فهي تتأسّس على كُلية الفعل الإدراكي الساعي إلى النظر في الكيفية التي تُدرك بها الصورة في الذهن ثم الكيفية التي يُعبَّر بها من خلال اللغة. ثم عرض على الصور لوحة الوجدانية من قصيدة فخرية للشاعر.

ثم فتح المجال للمداخلات والمشاركات التي أثرت الموضوع.