m

فئة :

2013 Dec 07

الدكتور حسن الهويمل يدعو إلى ضرورة حيادية المتلقي عند قراءته للنص والأحداث

أشار سعادة الدكتور حسن الهويمل إلى أن كل قارئ يحكمه انتماؤه المعلن، أو المضمر، ويُصَرِّفه نسقه الثقافي، وتحيد به مصالحه العارضة، مما تتحققُ معه القراءة التآمرية، وأن كُلُ ما استقر في الذهن هو ناتج قراءة، وأن الكون كُله صفحات منشورة، يستلهم معانيها المعنيون، ولكنها كالقطر على الأرض، يختلف طعمُهُ، ولونهُ، وأثرهُ باختلاف التربة. والمقروء يتلبس بقناعات الفكر، وجاهِـزيَّات التصور. وذلك مكمن الخيانة. ومن المُستحيل براءة القراءة، ولكن اللُّطف بِها أدنى المطالب، كما دعى إلى حيادية المتلقي في القراءة وترك الأحكام المسبقة حتى يكون منصفًا في الحكم على النصوص والأحداث بشكلٍ عام، جاء ذلك في محاضرة ألقاها في سبتية حمد الجاسر الثقافية يوم السبت 4 صفر 1435هـ الموافق 7 كانون الأول (ديسمبر) 2013م وأدارها سعادة الدكتور محمد الربيّع.

ونوّه إلى خطورة الخلفية الثقافية للمتلقي والنوايا المبيتة، وسلطة المذهبية، والطائفية، والحزبية التي تصنع الدلالة المبتغاة، بصرف النظر عن كوامِنْ النص، ومقاصد المنتج. وتلك أم الخبائث، ورأس الفتنة، فالتفاسير التي تُعَد بالمئات، والدراسات القرآنية التي تُعَد بالآلاف، تحفز إليها همومٌ مبيتة، تختلف نواياها، ومقاصدها.

مشيرًا إلى أن المنتج في النص سيد الموقف، والكلمة نافذة بدلالتها الظاهرة، وليس من حق أي صَوْتٍ أن يعلو على صوت المؤلف، وظل الجميع ردحاً من الزمن يَغُضُّون أصواتهم عند صوت المؤلف، وفجأة تلاشت مكانته، وذهبت هيبته، وحَلَّ محله “النص” بوصفه الوثيقة التي تحمل دلالتها، حتى بعد موت المؤلف. وليس من حق أحد أن يسبق النص، بوصفه الرسالة المعبرة عن مقاصد المرسل. ولكي يستجلي المتلقي مضامين، الرسالة دون الإخلال بمقاصدها، فقد هُيئت له الاستعانة على تفكيك النص بأدوات “النحو، والصرف، والبلاغة، واللغة”، وكل هذه الأدوات محاولة من المتلقي، للحيلولة دون التَّوهُّم. فالكلمة لبنة في الجملة، والجملة النحوية لبنة في بنية العبارة، والعبارات حلقات في سلسلة الأسلوب. والأدوات تخترق هذا التماسك لاستخراج الدلالة، وليس لإنتاجها. على أن الإنتاج بضوابطه المقاصدية إضافة إيجابية، ممن يحسن استثمار هذا الحق. مشيرًا إلى أن هذه السلطة أبقت للنص حرمته، وللمنتج هيبته. ولما كان الإنسان ظلوماً جهولاً، فقد سطا على المنتج والنص معاً، وسلبهما أبسط حقوقهما. وبهذه الحركة البنيوية التفكيكية تحول مركز الكون النقدي إلى “المتلقي”، ليكون الآمر الناهي، الذي يرفع صوته فوق صوت المنتج والنص، ويقترف خطيئة إنتاج الدلالة، بدلاً من اكتشافها. ولذة استلاب الحقوق، حفّزت على تكريس “نظرية التلقي”، وتتابعت المؤلفات التي تنفخ في نظرية التلقي، وتمنح المتلقي السلطة المطلقة، ولتحقيق هذا السطو نُحِّي الشَّرْحُ والتَّفْسيرُ، والاكتشافُ. ليحل محلها التأويل، والتفكيك، وتقصي الجذور “الأيدولوجية” لـ”نظرية التفكيك” تُبْعد النجعة، وتندلق معها أقتاب نظريات، لا أول لها، ولا آخر.