m

فئة :

2014 Sep 01

الثقافة الإسلامية: بين الموضوعية والأدلجة

أوضح الدكتور عبدالله بن حمد العويسي –الأستاذ المساعد في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- أن دخول الإيديولوجيات في الثقافة الإسلامية أثر عليها سلبًا حيث يبدو ذلك في المذاهب التي أفضت إلى إقصاء الآخر المختلف معها واعتبار ما يقوم به الآخر بِدَعًا، مما جعلها تتصارع وترى أنها على حق وغيرها على باطل، وجعل الثقافة الإسلامية أسيرة للاتجاه الكفاحي وأبعدها كليًا عن البناء والنهضة، مؤكدًا أن الإيديولوجيا إذا دخلت في مجال طردت العلم منه، وهذا ما تعانيه الثقافة الإسلامية، مشيرًا إلى أن الثقافة الإسلامية كعلم لا يزال في مراحله الأولى ويحتاج إلى الكثير من الجهود، جاء ذلك في محاضرة ألقاها في مجلس حمد الجاسر الثقافي بعنوان” الثقافة الإسلامية بين الموضوعية والأدلجة”، يوم السبت 11 ذو القعدة 1435هـ الموافق 6 أيلول (سبتمبر) 2014م، وأدارها الدكتور إسحاق السعدي.

وأشار المحاضر إلى أن مصطلح الثقافة الإسلامية وُضع لإيضاح شمول الإسلام لجوانب الحياة الإنسانية، وما ينطوي عليه من إمكانات لصنع محيط حضاري، من خلال شبكة من العلاقات الغيبية والمادية، بحيث يؤدي إلى بناء الشخصية الإنسانية الفاعلة، والمتوازنة والقادرة على الندية الحضارية دون الوقوع في شرك التبعية للآخر. وأن ما ينبغي في تعريف مصطلح الثقافة الإسلامية هو مراعاة الجمع بين البعدين المعياري والواقعي وهو ما يعبر عن واقع هذا العلم وما نشأ لأجله، كما أن نشأته كانت للإجابة عن إشكالات الهوية والنهضة معًا ولذلك أسهمت نشأته في إيجاد جسر بين العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية. ومن أبرز التعريفات لهذا العلم التعريف الذي وضعه مجموعة من المتخصصين به حيث عرفوه بأنه: “العلم بمنهاج الإسلام الشمولي في القيم والفكر والنظم ونقد التراث الإنساني فيها”، حيث راعى هذا التعريف الجانب المعياري والواقعي حينما عرف العلم من جانبين؛ الجانب الكلي، والمجال العلمي له أو الموضوعات التي يدرسها العلم.

وأشار إلى أن علم الثقافة الإسلامية مرّ بعدة مراحل كانت الأولى مرحلة الوعي الكلي وعيشه والتي بدأت منذ تنزل الوحي حيث جاء برؤية كلية ومنهاج شامل من أجل أن يغير الإنسان والمجتمع ويصنع ثقافة عالمية تهدف إلى إنقاذ الإنسان ورعايته على أساس التوحيد والعدل والتكافل والتكامل، وجاءت المرحلة الثانية مع ظهور الاختلاف العقدي أو التفرق في الأمة وهي مرحلة الكلي المذهبي أو إشكالية التأويل حيث أظهر هذا الاختلاف نوعًا من التفسير الكلي للإسلام ولكن في إطار مذهبي يقصي الآخر. وجاءت مرحلة التأصيل كمرحلة ثالثة حيث جاءت لمواجهة التحدي الذي برز مع التفاعل الحضاري مع الأمم الأخرى ذات التراث العلمي والحضاري وظهور أثر علوم الحضارات، ثم مرحلة الإيحاء والتجديد حيث ظهر نوع من الاهتمام بالتنظير للجانب الكلي من الثقافة من خلال ما هو كائن، وما ينبغي أن يكون، كما لوحظ ذلك لدى بعض العلماء المهتمين بإحياء العلوم الإسلامية وتجديدها حينما تصدوا لدراسة واقع علوم الدين والسبيل إلى إعادة فاعليتها كالغزالي. وجاءت المرحلة الخامسة في التحدي الغربي حيث أحدث تغلغل الغرب في الأمة الإسلامية على مستوى الزمان، والمكان والفكر، والمعرفة والسلوك والتشريع تحولاً وأنتج وعياً جديداً بهذه الأزمة الشاملة، التي تتطلب إجابة شاملة تستند إلى رؤية كلية تختلف عن رؤية تلك الثقافة الغازية، كما أثار لدى طائفة المثقفين المسلمين الاهتمام بهذه الأمة الجديدة التي قفزت إلى سدة قيادة الإنسانية والعوامل التي مكنتها، والعوامل التي قعدت بالأمة الإسلامية عن مركز القيادة بعد أن تولته زمنًا طويلا، فجاءت كتاباتهم عاكسة لاهتماماتهم والتي تمحورت حول الهوية والنهضة. ثم مرحلة التأسيس العلمي الذي نجم عنه تقرير مادة الثقافة الإسلامية في الجامعات وافتتاح الدراسات العليا للتخصص فيها، مما منح الثقافة الإسلامية الأثر الأكبر في الانتقال من المرحلة الإيديولوجية إلى المرحلة العلمية، ومحاولة وضع حد لها بين ما تختص به عن غيرها، ولاسيما العلوم الشرعية.

ثم اختتمت المحاضرة بمجموعة من المداخلات التي أثرت الموضوع والأسئلة التي تفضل بالرد عليها.