m

فئة :

2012 Apr 26

التحدِّيات المعاصرة والمستقبلية في التعليم الجامعي في المملكة

أكَّد معالي الدكتور محمد أحمد الرشيد- وزير التربية والتعليم سابقًا- في محاضرةٍ ألقاها في “دارة العرب” ضمن أنشطة خميسية حمد الجاسر الثقافية في يوم الخميس 5 جمادى الآخرة 1433هـ الموافق 26 أبريل 2012م، وأدارها سعادة الدكتور محمد الخازم؛ أكَّد على ضرورة تحرُّر الجامعات من التبعيَّات والقيود الإدارية للوزارات التي تكبِّل انطلاق العقول العلمية فيها، مشيرًا إلى ضرورة امتلاك الجامعة للسلطة العليا المستقلة التي تتشكَّل من خلال مجلس أمناء خاص بها؛ لكي تحمل الجامعات مسؤوليتها الكاملة عن المُخرَجات التعليمية ومواكبة العصر بما يشهده من تطوُّر ونمو متسارع، دون الحاجة إلى أن تتبع الجامعات وزارة التعليم العالي, مشيرًا إلى أنَّ الجامعة هي المسؤولة عن إعداد مَن يقومون بتطوير المجتمع والنهضة به، فهم المعوَّل عليهم، وليست الثروات الطبيعية.

كما شدَّد على ضرورة الاستكشاف المبكر لميول الطلاب، واستعداداتهم، وتوجيههم نحــو ما يتناسب وقدراتهم، وتكثيف برامج التوجيه المهني والإرشاد العلمي، مع تحديدٍ للمقاييس النفسية واختبارات القدرات، وضرورة انفتاح الجامعة المحلية على شقيقاتها من الجامعات العربية بمزيدٍ من التنسيق، والانفتاح على العالَم من حيث تعاونها مع الجامعات المرموقة, واحتلالها مكانةً متقدمة بين الجامعات العالَمية, وتكثيف البرامج التدريبية، والتحديث، والتدريب على رأس العمل، ومواصلة التعليم والتثقيف والأخذ بمبدأ التعليم المستمر الذي أيقن العالم كله بأهميته، وإحكام الربط بين المؤسسات الإنتاجية والجامعات بوصفها مؤسسات تدريبية، وذلك عن طريق تدريب الطلاب في تلك المؤسسات الإنتاجية، وتمكين الباحثين في الجامعات من الوقوف على ما لدى تلك المؤسسات.

وذكر المـُحاضر مجموعة تحدِّيات تواجه التعليم العالي في المملكة تتمثل في الآتي:

أولاً: التحدِّيات الفكرية والثقافية: إذ تركز مؤسساتنا التعليمية الأضواء على الثقافات الغربية أكثر من تركيزها على الثقافة العربية الإسلامية، ويرجع هذا إلى الانبهار الذي سببه التقدُّم العلمي والتقني.

ثانيًا: التحدِّيات الاجتماعية: فقد أدَّت أزمة الثقافة واهتزاز الهوية العربية، وغياب الفلسفة الإسلامية الشاملة عن الساحة، وضعف العلاقات الاجتماعية، وقصور المشاركة الشعبية؛ كل ذلك أدَّى إلى الاتِّكالية وفقدان الثقة بقدراتنا؛ ما أدى إلى لجوئنا إلى البحث عن الحكمة عند الآخرين متناسين أو متجاهلين الخبرات الفذَّة في مواطنينا، الذين هم خير مَن يعرف واقعنا، ويدرك طموحاتنا، ويساعد على تحقيقها معنا.

ثالثًا: التحدِّيات التقنية والعلمية: إذ إنَّ موقفنا من التقنيات والأجهزة المتقدمة هو موقف المستهلك والمستخدِم في الغالب، دون أن يكون لنا دور يُذكر في الابتكار والإبداع أو حتى في الصيانة، وهذا مما يجب أن تقوم به الجامعات.

وأشار إلى ضرورة تجنُّب الهالات الدعائية التي انخرطت فيها بعض الجامعات, وتجنُّب بحثها عن التميُّز الإلكتروني على حساب رسالتها الأساسية، إذ ينبغي علينا معرفة ماذا نريد أن نفعل- أفرادًا ومؤسساتٍ وحكومةً- لكي يكون التعليم العالي في وجهته المستقبلية محقِّقًا لِمَا نريد, فدَور أهل الفكر أن يقودوا الحاضر لا أن يستسلموا له، وأن يُبَلْوِروا إرادة المجتمع ليتكوَّن المستقبل الذي نريد، موضحًا أنَّ المعنيِّين بأمور التنمية ودراساتها وبعالَم العمل يرون في بعض مؤسسات التعليم العالي انفصالاً عن الواقع، واستجابةً ضعيفةً لمطالب التنمية في المجتمع، ومع كل هذه الخطط والتوصيات التي تخرج بها المؤتمرات فإنَّ المتأمِّل لا يرى رجوعًا إليها ممَّن تُوَجَّه إليهم من المسؤولين، وكأنها نفخٌ في الهواء.

وفي ختام المحاضرة طالبَ المـحاضرُ الجامعةَ بأن تضاعف من جهودها للولوج في العالَم الجديد، وأن تُعِدَّ القوى البشرية القادرة على مواكبته، والمجتمع القادر على الانتفاع به، وأوصى بضرورة التركيز على سِمات الجامعة، واستيعابها للطلاب الراغبين في الالتحاق بها حسب رغباتهم وميولهم، وأكّد على أنها مُناطٌ بها تحديث المناهج والكتب، والخطط الدراسية، والمعامل والمختبرات، والمواءمة بين خطط التنمية وفروع المعرفة في المجتمع، والمراجَعة المستمرة لخُطَط الجامعة، والانفتاح على شقيقاتها من الجامعات العربية والغربية، والقيام بالدور الفاعل النَّشِط في البحث العلمي والتطور التقني بحيث تصبح الجامعة بيت خبرة واستشارة موثوقة.