m

فئة :

2012 Feb 02

التجديد في الفكر الإسلامي الحديث

أوضح الدكتور عزالدين موسى، عميد كلية العلوم الإستراتيجية في جامعة الأمير نايف الأمنية، أنَّ المعارضين للأنظمة على مرِّ التاريخ غالبًا ما يتغنّون في نضالهم باسم الحرية والديمقراطية والتجديد، وسرعان ما ينقلبوا عليها فور وصولهم إلى السلطة، وأنَّ عددًا من الثورات الشعبية غالبًا ما تنتهي بحكم استبدادي، مشيرًا إلى أنَّ الأنظمة لا تتغيَّر إلا بتغيّر الفرد والمجتمع ذاتيًا مُستشهدًا بقوله تعالى: (إن الله لا يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم). ورد ذلك بعد أن تحدَّث عن التجديد في الفكر الذي صنَّفَه إلى تيارات ومسارات، موضحًا أنَّ التداخل بين التيارات أمرٌ واردُ وربما تتعدَّد المسارات في التيار الواحد، وشرح أنَّ التجديد في الفكر يعتمد على ثلاث سمات هي: الاستمرارية، والشمولية، وسبق الفكر للعمل. جاء ذلك في محاضرة قدَّمها في خميسية حمد الجاسر بعنوان “الفكر الإسلامي الحديث” في يوم الخميس 10 ربيع الأول 1433هـ الموافق 2 فبراير – شباط 2012م، وقد أدار المحاضرة سعادة الدكتور سرحان العتيبي.

وقد سلط الضوء في هذه المحاضرة، على تطورات الفكر السياسي في الربيع العربي وتحدّث عن إشكالية الأصالة والمعاصرة وظاهرة الانكفاء، مشيرًا إلى أنَّ خير مثال على ذلك نظرتنا إلى قيمة الحرية، مؤكّدًا أنَّ هناك إشكاليات كثيرة أفرزتها الحضارات الغربية تتمثل في جدليَّة المحافظة والتجديد، ولعلَّ أبرزها إشكالية “الهويِّة الوطنيِّة” وقضايا مثل: “الحريِّة”، و”نحن والآخر”، و”الديمقراطية”.

ثم صنّف جدليّات التجديد في الفكر إلى تيارات أربعة، أولها: التحديث الذي نشأ بعد مواجهة الغرب العسكرية، وتجلى هذا المسار بوضوح بعد هزيمة العثمانيين وحملة نابليون على مصر، إذ ظهر هذا التيار لاكتساب المنعة مع المحافظة على الهوية والتوجهات المنبوذة في عصرهم. كما ظهر التيار الثاني في الحركات التجديدية ببواعثها الداخلية سعيًا لتجديد العقيدة فكرًا وممارسة، كما حصل في القرن التاسع عشر، وجاء التيار الثالث متمثلاً بتيار التجديد مع المحافظة، وهذا التيار ظهر بريادة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. أما التيار الرابع فتمثّل في حركات إسلامية منظمة ومتعددة الألوان تحاول نقل الفكر إلى العمل، وقد أفرزت هذه التطورات بفعل عوامل داخلية وخارجية تأثيرات عظيمة، وخير مثل يضرب في هذا هو حركة الإخوان المسلمين، وتكاد تكون جبهة الإنقاذ في السودان أول حركة، تنتمي إلى هذا التيار، وصلت إلى السلطة بعد أن سيطرت على النقابات وتدرَّجَت في سلم الصعود إلى السلطة.

واختتم محاضرته بتساؤلاتٍ طرحها للنقاش مع الحضور عن مدى اعتزام الإسلاميين مواصلة السير في سبيل الديمقراطية، وفي سعيهم إلى الوسطية ليتعايشوا مع من حولهم من الحركات؟ موضحًا أن الحركة الإسلامية في تركيا نجحت عندما حاولت التعايش مع العلمانية، وإذا كان تطرف الإخوان السابق ناجمًا عن الضغط الذي تلقّوه من الأنظمة، فهل يستطيعون اليوم مواصلة الديمقراطية، والتعايش مع من حولهم من التيارات المختلفة؟ وعن مدى إمكانية التعامل مع الخارج؟.

ثم توقف المحاضر عند تعليق الدكتور مرزوق بن تنباك الذي أشاد بإيجابية الربيع العربي لأنها ثورة شعب لا يتزعمها فرد ممّا يمنع الاستبداد ودكتاتورية الفرد، وأنها قد تنتهي إلى الديمقراطية، موضحًا أن الديمقراطية من أفضل أنظمة الحكم الموجودة، جاء هذا التعليق ردًا على الدكتور عبدالحميد سليمان الذي أكد أن الشورى هي أفضل الأنظمة معلّلاً الديمقراطية بتابعيتها للرغبات الفردية والمصالح الذاتية بينما الشورى تُلزم الفرد فيما تقتضي به مصلحة المجتمع. وأشار المحاضر في تعقيبه على المداخلة السابقة بأن الشورى هي قيمة وليست آلية، وهذه القيمة مفتوحة لما يصلح من آليات تراعي التغير في الزمان والمكان، وليس ثمة مشاحّة في مصطلح ديموقراطية أو شورى ما دام أنها تحقق العدالة والحرية وتقوم على الأسس الصحيحة، وليس بالضرورة استنساخًا لديمقراطية الغرب بل يمكن الاستفادة منها. وحفلت المحاضرة بمداخلات وأسئلة كثيرة كانت فاتحة للموسم الثقافي في للفصل الدراسي الثاني.