السُّلَمِي يتحدث عن الإعلام بين تهم اللغوين وتأثر المتلقين
بحضور عدد من الأدباء والمفكِّرين ورؤساء الأندية الأدبية..
في مجلس حمد الجاسر: السُّلَمِي يتحدَّث عن (الإعلام بين تُهَم اللغويين وتأثُّر المتلقِّين)
دافع الدكتور عبدالله السُّلَمِي -أستاذ اللغة العربية في جامعة الملك عبدالعزيز- عن الإعلاميين في وجه الحملات التي يشنُّها عليهم اللغويون لتحميلهم مسؤولية ضعف اللغة، وقال إنَّ الطروح المتشنِّجة من اللغويين أبعدت عنهم الإعلاميين، موضحًا أنَّ اللغويين يُحسنون النحيب على حال اللغة، ويصوِّرون اللغة وكأنها تعيش في حالة حرب ويبحثون عن متَّهم، مؤكِّدًا أنَّ هناك مفاهيم تحتاج إلى إعادة نظر وقراءة وربما كانت لها علاقة في عدم تجسير الصلة بين اللغوي والإعلامي، مستعرضًا دراسة علمية ترسم ملامح تأثير وسائل الإعلام، والعلاقة غير الإيجابية التي وضعها اللغويون بينهم وبين هذه الوسائل. جاء ذلك في محاضرةٍ ألقاها في مجلس حمد الجاسر يوم السبت 12 جُمادى الآخِرة 1438هـ الموافق 11 آذار (مارس) 2017م، وأدارها الدكتور خالد الحافي.
وقال إنَّ هناك مفاهيم تكرَّست في أذهاننا زمنًا ونردِّدها لأبنائنا وفي طليعتها مفهوم المحافظة على اللغة العربية، وهذا كرَّس نتيجة ضدِّية؛ فبدل أن نُكرِّس مفهوم النشر أصبحنا نكرِّس مفهوم المحافَظة، والمفهوم الثاني له علاقة بالمفهوم السابق ومن نتائجه وهو مفهوم الخدمة، متسائلاً: هل نحن نخدم اللغة أم اللغة تخدمنا؟ ولماذا نلبس وشاح أننا خَدَم للُّغة وكأنها ضعيفة؟!
وأوضح أنَّ النحو العرفاني بدأ يتشكَّل بوصفه مدرسة وثورة على التوليدية والتحوُّلية والوصفية، وهو يقوم على التكامُلية بعيدًا عن التفكيكية.
وأشار إلى أنَّ تكريس مفهوم الحفظ الإلهي للُّغة العربية يجب أن يُفهَم في سياقه ولا يُساء فهمه، وأنه من الضروري أن يُسقِط التيار المحافِظ عن وجهه عدم الخوف على اللغة لأنها لغة القرآن وأنه كفيلٌ بحفظها، ويجب تقديم برامج للرقيِّ بها بعيدًا عن الاتِّكال، موضحًا أنَّ هناك مسافة بين أن نتَّكئ على النص القرآني وحقيقة أنه وعاء حافظ للُّغة وبين النشر اللغوي.
وتساءل: هل يمكن أن تتحوَّل النظرة التوجُّسية التي يوجِّهها اللغويون للإعلاميين إلى مسار إيجابي يُسْهِم في إيجاد حوافز جاذبة ووعاء شائق وجذَّاب؟ ومتى نستطيع أن نتجاوز التشنُّج والريبة إلى مرحلة التصافُح؟ وهل يقبل اللغوي أن يكون ظالـمًا؟ ولماذا يحمِّل الإعلامَ مسؤولية تراجُع اللغة وهو مرآة لتفاعُل المجتمع، وانعكاس للإيقاع اللغوي الذي يسمعه؟ وأشار إلى أنَّ رؤساء التحرير والمؤسَّسات الإعلامية وحتى وزراء الإعلام أحيانًا لا يحمِلون كثيرًا من المقوِّمات اللغوية؛ لأنَّ اختيارهم يخضع لإرادة سياسية في الغالب أكثر من كونها انتقاء للمقوِّمات اللغوية لديه.
وقال إنَّ اللغة تفتقر إلى البيئة الحاضنة، وهي تنتشر من خلال المتحدِّث بها وهو الصانع الحقيقي لضعفها وقوَّتها، وتحتاج إلى إطار جذَّاب لانتشارها، مبيِّنًا أنَّ القنوات الفضائية أحدثت نقلة لغوية لا تُحدِثها مؤسَّسات التعليم.
وأعرب عن استيائه من نتائج دراسة لأحد رؤساء أقسام الإعلام، بيَّن فيها أنَّ نصيب اللغة العربية ووحداتها داخل أقسام الإعلام في الجامعات بالمملكة لم تبلغ سوى 6%، مقابل زيادة نسبة وحدات اللغة الإنجليزية في جامعة الإمام حتى بلغت 12 وحدة، وفي جامعة أم القُرى 8 وحدات، وفي جامعة الملك عبدالعزيز 12 وحدة، وكذلك جامعة الملك سعود، أمَّا وحدات اللغة العربية في الجامعات فكانت في جامعة الملك سعود 6 وحدات، وصِفْر في جامعة الملك عبدالعزيز، و6 وحدات في جامعة الإمام، و4 وحدات في جامعة أم القُرى.
وتساءل: هل هناك مؤشِّر لنموِّ العربية؟ وما الوسيلة الأكثر أثرًا لتمدُّدها وانتشارها؟ وما إذا كانت جامعاتنا ومراكزنا قد قدَّمت دراسة لكشف المسافة التحوُّلية للُّغة داخل الوطن العربي لأهلها ثم لغير أهلها خلال خمسين عامًا الماضية، مشيرًا إلى أنه رَصَدَ توصيات كل المؤتمرات منذ الستينيات في القرن الماضي من مؤتمر الجزائر إلى آخِر مؤتمر أقامته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوَّرة بعنوان (اللغة ومواكبة العصر)، فوجد أنَّ هذه المؤتمرات وتوصياتها غير قادرة على رَصْد حركة دقيقة جدًّا للإيقاع اللغوي.
ثم انتقل إلى محور الدراسة العلمية التي بيَّن أنَّ منطلقها كان من حديث كونداليزا رايز التي قالتْ: (أَضَعْنا أجيالنا إنْ لم نعلِّمهم العربية) وذلك لدوافع جاءت عقب أحداث سبتمبر.
وأوضح المحاضِر أنه اختار في دراسته قناة (العربية) و(الجزيرة) وقرأ السِّيَر الذاتية لكل مذيع فيهما، والتقى بعدد من المذيعين، محاولاً قياس المستوى اللغوي للوسائل الإعلامية، فوزَّع استبانات لـ1800 فرد وأنشأ موقعًا وأدخل الاستبانة فيه، وبدأ بالزيارات، فوجد أنَّ اللغويين يبحثون عن متَّهم يُلصِقون به أسباب ضعف اللغة العربية ليَسْلَم جانبُهم وتَبْرَأ ساحتُهم ويصبح دورهم دور القضاة، فتارةً يتَّهمون الخطباء وتارةً المعلِّمين وأخرى المتربِّصين باللغة! وفي السنوات الأخيرة بدأت التُّهمة تُوجَّه لوسائل الإعلام، مؤكِّدًا أنَّ على اللغويين أن يُدركوا أنَّ زمن إلقاء التبعات على الآخَرين قد ولَّى.
وكانت الحدود المكانية للدراسة في جدَّة، وفي مرَّاكش في المغرب، والبليدة في الجزائر، وكوالالامبور في ماليزيا، والمنصورة في مصر، ولومبوك في إندونيسيا، ومسلمي ريتش موند في مقاطعة كولومبيا البريطانية، وليبر فيل في الجابون، والحدود الزمنية منذ عام 1430هـ، وأداة الدراسة هي الاستبانات، مؤكِّدًا أنَّ الدراسة اشتملت على جميع فئات المجتمع، متضمِّنةً الناطقين باللغة العربية من أهلها ومن غير أهلها.
وقد أوضحت نتائج الدراسة أنَّ المستوى اللغوي لمشاهدي القنوات غير الإخبارية 38.3%، ولمشاهدي القنوات الإخبارية 87.3%. وعن السن لدى متابعي القنوات الفضائية تبيَّن أنَّ نسبة مَن هم أقل من عشرين سنة كانت 5%، ومن عشرين إلى ثلاثين 32%، ومِن ثلاثين إلى أقل من أربعين 6%، ومن أربعين إلى خمسين كانت النسبة الأعلى وهي 43%، وخمسين سنة فأكثر 14%، موضحًا أنَّ عيِّنة مَن هم في سنِّ الأربعين إلى خمسين عاماً كانت العيِّنة القادرة على إيجاد إجابات على أسئلة الاستبيان بوعي وحضور ذهن ويمتلكون سمة النضج العقلي، وهي شريحة عاشت جملة من المتغيِّرات في العالم.
وعن النوع لدى متابعي القنوات الفضائية تبيَّن أنَّ نسبة الذكور 72% و الإناث 28%، وعن الحالة الاجتماعية كانت نسبة العازبين 21%، والمتزوِّجين 46%، والمطلقين 20%، والأرامل 13%، وبذلك فإنَّ المتزوِّجين هم الأكثر استقرارًا وجلوسًا في المنزل وهم الأكثر مشاهدة من الفئات الأخرى التي تخرُج خارج المنزل لقضاء أوقات الفراغ. كما شملت الدراسة مختَلَف المؤهِّلات الدراسية، وغير ذلك من المتغيِّرات.
وقال إنه وجد أنَّ 53% من العيِّنة المدروسة يقضون 4 ساعات من أوقاتهم أمام وسائل الإعلام، وتساءل: ماذا لو أُفيدَ من وقت هؤلاء؟!
وأظهرت الدراسة أيضًا أنَّ التلفاز جاء في الترتيب الأول من حيث نسبة متابعة الوسائل الإعلامية، وقبل سنتين سبقتْه وسائل التواصُل الاجتماعي، وفي الترتيب الثالث المذياع، وفي الرابع الصحف، وفي الخامس المجلات.
وفي ختام محاضرته ذكر القنوات التي تحظى بمشاهدة أكثر على مستوى عيِّنة الدراسة، هي (الجزيرة) الإخبارية، ثم (العربية) الإخبارية، وروتانا، والقنوات الرياضية، والـmbc. ومن حيث نوع البرامج الأكثر متابعة جاءت البرامج الدينية أولاً ثم الترفيهية فالثقافية. ثم فُتح المجال للمشاركات والأسئلة التي تفضل بالرد عليها.