د. الردادي يتحدث عن فخري باشا .. الظالم والمظلوم

أوضح الدكتور عائض الردادي أنَّ فخري باشا أدار أكبر مأساة في تاريخ المدينة المنوَّرة، وهو تهجير أهلها، أو ما عُرف بـ"سفر برلك" (التهجير القَسْري)، إذ يذكُر المؤرِّخون أنها خَلَتْ إلاَّ من الجيش، وهو بذلك ظالم بمعايير حقوق الإنسان، وفترةُ قيادته العسكرية ظُلُماتٌ بعضُها فوق بعض، فهو لم يهتمّ إلاَّ بتوفير الغذاء لجنوده الذين عانوا هم أيضًا من المأساة، لكنَّه من جانبٍ آخَر قائدٌ قديرٌ بمقاييس الإدارة والقيادة العسكرية، فقد قاوَمَ الحصار المفروض عليه سنواتٍ ثلاثًا، وأنشأ (الفرقة الزراعية) لزرع البساتين لتثمر النخيلَ لتوفير الغذاء لجنوده، وأسَّس مدرسة اللوازم لتعليم جنوده كل ما تحتاجه الحامية، ولم يستسلم للأوامر التي تصله بالاستسلام، وقد اختارته الدولة العثمانية لكونه قائدًا قويًّا، لكنَّ الأحداث كانت فوق طاقته. جاء ذلك في محاضرةٍ ألقاها في مجلس حمد الجاسر يوم السبت 9 ربيع الآخِر 1438هـ الموافق 7 كانون الثاني (يناير) 2017م، بعنوان "القائد العثماني فخري باشا الظالم والمظلوم"، وأدارها د. سهيل الصابان. وأكَّد د. الردادي أنَّ هذه الأحداث المأسَوِية كان السبب الأساسي في كراهية أهل المدينة لفخري باشا، وأضاف: «عندما يتجرَّد الإنسان وينظر إلى الحادثة بمنظار موضوعي، ويحاول أن يعرف ما لهذا القائد وما عليه؛ يرى أنه وإن ارتكب مأساة التهجير، إلا أنه مِن جانب آخَر قائدٌ مظلوم، كونه مخلصًا لدولته، ولم يستطع مَن حاربوه أن ينتصروا عليه أو يدخُلوا المدينة على الرغم من أنها كانت مفتوحة من جميع الجهات». وأشار الردادي إلى أنَّ فخري باشا تحمَّلَ في سبيل ذلك الصعوباتِ التي مرَّت به من جوع الجنود وفرارهم، موضحًا أنَّ فخري باشا تمكَّنَ مِن الصمود لمدَّة ثلاث سنوات كانت القوَّات فيها تحاصر المدينة من جميع جهاتها وعاشت حالة قاسية، خاصةً بعد إغلاق ميناء ينبُع مِن قِبَل بريطانيا، وكان المنفَذ الوحيد الذي تصل عن طريقه المواد الغذائية والاستهلاكية للمدينة وما حولها. وأضاف د. الردادي: «على الرغم من عدم رضانا عمَّا تسبَّبَ به فخري باشا من مَآسٍ في المدينة، إلا أنَّ النظرة الموضوعية تُشير إلى أنه قائد لم يستطع المحاصِرون هزيمته مع أنَّ البرقيات كانت تأتيه ليستسلم، ومِن كبريائه أنه تنازَلَ عن القيادة لنائبه فلم يستسلم قائدًا، وخرج بجيشه الذي يُقارِب ألف جندي إلى منطقة الفريش ثم ينبُع ثم إلى مصر ثم إلى تركيا». وأثارت المحاضرة ردودًا كثيرة بين مؤيِّد ومُعارِض لِمَا طرحه المحاضِر، إذ رأى د. سهيل الصابان ود. فايز الحربي أنَّ ما قام به الشريف بمساعدة الإنجليز (الذين حاصروا المدينة) ليس ثورة كما يصفُها القوميُّون، ولكنَّها جاءت للإطاحة بالخلافة العثمانية فحسب، وطالَبا المحاضِر بعدم الاكتفاء بالـمَراجع القومية العربية لقراءة التاريخ. في حين استهجن د. محمَّد الأسمري استمراء بعض المداخِلين لِمَا سمَّاه بـ(الاستعمار العثماني)، وترحَّمَ على مالك بن نبي الذي تحدَّث عن (القابليَّة للاستعمار)، مؤكِّدًا أنَّ فخري باشا كان سفَّاحًا وعيَّنَهُ سفَّاح، وأنَّ العثمانيين كانوا يتصرَّفون من منطلق الحقد والكراهية لكلِّ ما هو عربي، وفعلوا ما لم يفعله أيُّ مسلم بالعرب، واليمن وعسير والحجاز خير شاهد على ذلك. وأثارت المحاضرة العديد من التساؤلات التي تفضَّل المحاضِر بالردِّ عليها.