د. عائض الردادي يتحدَّث عن الدوافع الأمنية في أحلاف قبائل الجزيرة العربية
تحدَّث الدكتور عائض الردادي عن الدوافع الأمنية للأحلاف القبلية لدى قبائل الجزيرة العربية في محاضرةٍ ألقاها بمجلس حمد الجاسر يوم السبت 18 جمادى الأولى 1437هـ وأدارها الدكتور أحمد الزيلعي. وبيَّن المحاضر أن الحلف واحدٌ مِن نُظُم وأعراف سنَّتها القبائل لحفظ أمنها والمحافظة على الأرواح والأموال، وكانت تلك القوانين سارية المفعول إلى أن ظهرت الدولة الحديثة بقوانينها الإدارية فانتهت تلك النُّظُم لعدم الحاجة إليها في ظلِّ سيادة الدولة، ولم تعُدْ إلاَّ تاريخاً بيَّن قدرة العربي على إيجاد قوانين لحفظ أمنه عندما تختلُّ قوانين الدولة، فالأمن حاجةٌ لا تستقيم الحياة إلاَّ بها، ومن ذلك وُلدت الحاجة إلى الأحلاف القبلية بعد ضَعْف سلطة الدولة، وهي تشبه تمامًا ما كان معروفاً قبل الإسلام من أحلاف. وقال إن الحلف هو العهد، وقد عُرفت الأحلاف عند القبائل العربية منذ الجاهلية، بل هي معروفة عند سائر الشعوب السامية كالعبرانيين مثلاً، والضرورات هي التي دفعت قبائل الجزيرة العربية في الجاهلية والإسلام إلى تكوين الأحلاف للمحافظة على الأمن والدفاع عن مصالحها كما تفعل الدول، ولذا قد ينحلُّ الحلف بعد زوال أسبابه، وهناك دلائل كثيرة تشير إلى أنَّ ما يقع بين القبائل من الاختلاف والفرقة والتنافس على الموارد النادرة وعلى الماء والكلأ وهيمنة القوي منهم على الضعيف؛ كان يدفع الضعفاء إلى عقد تحالفات مع الأقوياء ليزدادوا بهم منعةً وقوة، وقلةٌ هي القبائل التي لم تدخل في أحلاف مع غيرها من القبائل. وأوضح أنَّ مِن أشهر أحلاف الجاهلية حِلْف (تَنُوخ)، وحِلْف (فَرَسان)، وحِلْف المطيَّبين، وغيرها من أحلاف الجاهلية، وأكرمُ أحلاف الجاهلية حلف (الفُضُول) الذي تداعت قبائل قريش إليه قبل البعثة النبوية بعشرين عامًا في دار عبدالله بن جُدعان، و"تعاقد وتعاهدوا على ألاَّ يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلاَّ قاموا معه، وكانوا معه على من ظالمه حتى تُرَدَّ عليه مظلمته". وأكَّد أنَّ الحلف العربي القبلي الذي لجأت إليه قبائل الجزيرة العربية بعد اضمحلال سلطة الدولة في العهد الأموي وما بعده؛ ليس بدعًا بل هو إحياءٌ لِمَا كان موجودًا؛ حفاظًا على أمنها ومصالحها ولفرض الأمن في ظلِّ غياب سلطة الدولة. ثم أوضح أنَّ من أبرز دوافع الحلف بُعْد طالب الحلف عن قبيلته الأصلية، وخوفه من الاعتداء والغزو، أو لضعف طرف وحاجته للاحتماء بمن هو أقوى منه، أو للدفاع ضد الأخطار المشتركة، وتكون العلاقة التي تربط بين الفريقين المتحالفين متساوية في الحقوق والواجبات، وفي تحمُّل المسؤوليات والتبعات الجزائية والجنائية. وفي ختام المحاضرة فصَّلَ في أنواع الأحلاف، ومنها حلف التعاضد وحلف الحماية؛ مشيرًا إلى أنه قد يكون الحلف كبيرًا للتعاضد دون اندماج قبيلة في أخرى بل تحتفظ كل قبيلة بكيانها، ومِن أشهر هذه الأحلاف في العصور المتأخِّرة حلف (شَبَابَة) وحِلْف (خِنْدِف)؛ وقد يكون الحلف صغيرًا كما ورد في الوثيقة التي استعرضها عن تحالُف الـمَسَاحِيم من الرَّدَادة.