التاريخ السياسي والاقتصادي لمحافظتي الأحساء والقطيف في الدولة السعودية الثانية

تحدَّثت الدكتورة مريم بنت خلف العتيبي عن التاريخ السياسي والاقتصادي لمحافظتَي الأحساء والقطيف، اعتمادًا على عدد من المراجع المحلية والعربية والأجنبية، ودراسات علمية منشورة وغير منشورة، وأبرزت الدور الذي أدَّته تلك المنطقة في عهد الدولة السعودية الثانية بدءًا من عام 1245هـ/1830م، ومدى تأثيرها في مجريات الأحداث السياسية، ومساندتها للقيادة المركزية في الرياض، وأيضًا الدور الاقتصادي لها في دعم موارد السُّلطة المركزية بما ساعد على مد نفوذها إلى مناطق الخليج العربي. جاء ذلك في محاضرةٍ ألقتها في مجلس حمد الجاسر يوم السبت 15 ربيع الأول 1437هـ الموافق 26 كانون الأول (ديسمبر) 2015م بعنوان: "الأحساء والقطيف في الدولة السعودية الثانية"، وأدار المحاضرة سعادة الدكتور عائض الردَّادي. وقد افتتحت د. العتيبي المحاضرة بتقديم مختَصَر لجغرافية تلك المحافظتين وأهميتهما من الناحية الاقتصادية، وأهمية قُراهما، واهتمام سكانهما بالزراعة والتجارة، بالإضافة إلى أن الأحساء كانت المدينة التي ربطت الدولة السعودية الثانية بتجارة البحر، مما عزَّز الموارد المالية التي كانت تعود بها للدولة. كما أوضحت المحاضِرة أهميتهما لمنطقة نَجْد، إذ إنهما تُعَدَّان المنفذ للعالم الخارجي لها إضافةً إلى علاقتهما الاقتصادية بها في تلك المرحلة، ولا شك في أن هذا الترابط أوجد محاولات السيطرة والنفوذ السياسي بينهما منذ فترة ليست بالقصيرة. وذكرت المحاضِرة أن أهمية الأحساء والقطيف لنَجْد في تاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية لا تخفى على أحد، إذ كانت تلك المحافظتان تخضعان لقوى نفوذ في تلك المرحلة، سواء من البريطانيين أم العثمانيين، الذين كانوا يتخوفون من امتداد الدولة السعودية الثانية تجاه الشرق والاتصال بالعالم الخارجي. وأشارت إلى أن المشكلات التي مرَّت بها محافظتا الأحساء والقطيف في تلك الفترة كانت أقل من المحافظات الأخرى، على الرغم من المغريات الاقتصادية التي تتمتَّعان بها، والتي تُعدُّ من أهم الأسباب التي تُغري القوى المجاورة فيهما، إضافةً إلى مساحتهما الكبيرة مقارنةً بالمحافظات الأخرى، والتنوُّع والتعايُش المذهبي فيهما، وهذه العوامل جعلت الدولة المركزية في الرياض تفرض الأمن والاستقرار فيهما، ولاسيَّما بالنظر إلى الأهمية اقتصادية؛ لِمَا تمدُّ به تلك المحافظتان جيوش الدولة من موارد، إضافةً إلى أنهما مُطِلَّتان على الخليج العربي مما أعطى الدولة السعودية الثانية فرصة التمدُّد لمناطق أخرى، عكس المناطق الغربية التي لم تصل إليها القوات السعودية في تلك المرحلة، مقارنةً بالسيطرة التي امتدَّ إليها النفوذ السعودي في الدولة السعودية الأولى. وتحدَّثت المحاضِرة عن استقرار الأحساء والقطيف في تلك المرحلة، وأرجعته إلى حُسْن الإدارة من حكام الدولة السعودية الثانية، بخاصةٍ سياسة الإمام تركي بن عبدالله التي كان يغلب عليها التسامح الديني من دون النظر إلى الخلفية المذهبية، وكان من نتائج هذه السياسة مشاركة الأهالي في الأحساء والقطيف في القتال مع الجيوش السعودية، وخاصةً في معركة الإمام فيصل بن تركي للدفاع عن بعض مناطق نفوذه أمام القوات المصرية. وأشارت المحاضِرة إلى أنَّ من أهم أسباب سقوط الدولة السعودية الثانية هو احتلال القوات العثمانية للأحساء والقطيف، ولاسيَّما أن ذلك أثَّر في استمرار تمويل القوات السعودية آنذاك، إذ كانت تلك المنطقتان تُعَدَّان المصدَر الاقتصادي لمنطقة قلب الدولة المركزية (نَجْد) وهي المنطقة التي تتَّسم بشُحِّ الموارد. وأوردت د. العتيبي وصفًا دقيقًا للازدهار الاقتصادي في تلك المحافظتين في تلك الفترة، من حيث الأنشطة الحرفية التي يزاولها السكان، ونجدُ بعض العوائل فيهما تتوارث تلك المهن. أما على المستوى الزراعي فكانت محاصيل التمر والبرسيم تأتي في مقدِّمة ما تُنتجانه، إضافةً إلى مزاولة صيد الأسماك وتجارة اللؤلؤ في مياه الخليج، وصناعة السفن، بخاصةٍ في القطيف التي كانت أخشابها تُستورَد من الهند.