تركي بن فهد آل سعود يحذر الكتّاب من الوقوع في خطأ المفارقة التاريخية

حذّر سمو الأمير الأستاذ الدكتور تركي بن فهد آل سعود من وقوع الكتّاب والمؤرخين والباحثين في خطأ "المفارقة التاريخية" من خلال قياس الماضي بالحاضر في إسقاط المصطلحات؛ نظرًا لتباين الأزمنة باستثناء المشتركات الإنسانية. جاء ذلك في محاضرة قدمها في مجلس حمد الجاسر بعنوان "المفارقة التاريخية" وأدارها د. عبدالله العريني، ضحى السبت 8 ربيع الآخر 1443هـ الموافق 13 تشرين الثّاني (نوفبمر) 2021م. وبدأ سموه بتعريف المفارقة التاريخية بأنها تتلخص في وضع فكرة أو شخص أو مصطلح خارج زمنه وسياقه التاريخي كأن تقرأ شخصية أو حدث وتقيسها على معايير غير معايير زمنها وثقافتها، مبيناً أن إشكالية المصطلح تتنازع هذا المفهوم الذي سببه بعض المستشرقين في تفسيرات الوقائع التاريخية. وأشار إلى أنّ التاريخ ليس علمًا تطبيقيّا، وأن تعدد المناهج في علم التاريخ والمذاهب التاريخية في الفكر التاريخي هو واقعٌ نعيشه جميعًا، ومع هذا التعدد والتنوع إلا أن معظمها يتفق على تخطئة المفارقة التاريخية. وقال: إن الكاتب أو المؤرخ يستطيع وصف الحدث في تاريخ سابق دون الوقوع في المفارقة التاريخية، مشيرًا إلى أن التطابق الثقافي مهم في هذا السياق، حيث إنه من الصعب إسقاط المصطلحات الحديثة على عصور سابقة، باستثناء المشتركات الإنسانية بين المجتمعات. وضرب العديد من الأمثلة المحددة لذلك المفهوم، مثل: تعامل الناس مع الأمراض والأوبئة التي تعد في يومنا هذا هينة، بينما الاعتقادات العلمية والنظريات في العصور الماضية كانت فيه تلك الأمراض فتاكة، والنظريات غامضة. وأضاف: إن القياس في المشتركات الإنسانية هو قياس صحيح ومنطقي مثل الكرم والبخل.. وقال: إن الجميع يقع في المفارقة التاريخية، ونبّه كتاب المقالات والصحف والكتب والبحوث من الوقوع في المفارقات التاريخية، حيث يتعدى أثرهم إلى غيرهم، لكن أثر القارئ على نفسه فقط إن وقع في المفارقة. لذا، ينبغي لمن يكتب في التاريخ أن تتعدى مصادره كتب الحوليات والتاريخ؛ لأن فيها نقص كبير جدًا، فالمجتمع لا تعكسه كتب التاريخ فقط، بل تعكسه كتب التاريخ والعادات والشعر وكل جوانب المعرفة الإنسانية. وأوضح: إن منطلقات الفهم الدقيق والحكم الصحيح على أي حدث تاريخي أو شخصية أو مجتمع تنطلق من معرفتنا الشاملة لفهم الحدث بشكل أدق، مشيراً إلى أنّ غير المختص يقع في المفارقة التاريخية عمدًا ليخدم غرضه من الكتابة وهذا عادةً وليس دائمًا؛ لكن المختص في التاريخ إذا كتب يخضع لمعايير تخصصه وتحكيم بحثه ومن ثم يتحاشى الوقوع في المفارقة. وقال: إن من تعمد الوقوع في المفارقة ليدعم حجته هو في الواقع يُضعفها، وقد يعتقد البعض أن المفارقة مفهومًا غربيًا، وهو مفهوم قديم يعرفه علماء المسلمين ويدركون أنه خلل في الفهم والتفسير. واستشهد بتحذير ابن خلدون في مقدمته الذي جاء فيه: "ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال للأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام وهو داء دوي شديد الخفاء إذ لا يقع إلا بعد أحقاب متطاولة فلا يكاد يتفطن له إلا الآحاد من أهل الخليقة وذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة وحيدة ومنهاج مستقر إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة وانتقالٌ من حالٍ إلى حال وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول، والقياس والمحاكاة للإنسان طبيعة معروفة ومن الغلط غير مأمونة تخرجه من الذهول والغفلة عن قصده فربما يسمع السامع كثير من أخبار الماضيين ولا يتفطن لما وقع من تغير الأحوال وانقلابها فيجريها من أول وهلة على معارفه ويقيسها بما شهد وقد يكون الفرق بينهما كثيرًا فيقع في مهواة من الغلط". وأكد المحاضر بأن الوقوع في المفارقة التاريخية هو القياس على المعايير الشخصية في زمنها وإسقاطها على زمن يختلف كثيرًا على الزمن الذي ينتمي إليه، مشيرًا إلى أن هذا يفضي عادة إلى التكذيب. واختتم محاضرته بالقول إن تصور الأحداث والمجتمعات التاريخية بمفاهيم تعود إلى عصر غير عصرها وثقافتها يوصل دائمًا إلى فهم بعيد عن الدقة باستثناء المشاعر والمشتركات الإنسانية وما يقرب أو يقصد فيه الكاتب تقريب أفكاره للكاتب المعاصر شريطة ألا يُدخل في ذلك مسببات الحدث أو نتائجه.