الشاعر حمد الحجّيّ في دارة العرب

قدّم الأستاذ سعد الغريبيّ نبذة تعريفية عن حياة الشّاعر حمد الحجّيّ ووقف عند شاعريّته بعد اطلاعه على ديوانه الذي نُشر بعنوان: "عذاب السنين" جمعه محمد بن أحمد الشدي بعد وفاة الحجي عام 1409هـ / 1989م، واستعرض ما كُتب عنه في الصحف والكتب، مقدمًا نبذة مختصرة عن حياته العلمية ومعاناته وما واجهه من صعوبات في حياته تترجمها نصوصه الشعرية، جاء ذلك في محاضرة ألقاها في دارة العرب بعنوان: "حمد الحجّيّ: حياته من شعره" أدارها د.عبدالعزيز الخراشيّ، يوم السبت 15 شعبان 1440هـ الواقع في 13 نيسان (أبريل) 2019م. وأشار المحاضر إلى أن الشاعر حمد بن سعد بن محمد بن موسى الحجي، يرجع نسبه إلى هذيل، وولد سنة 1357هـ أو 1358هـ ببلدة مرات من إقليم الوشم، وتلقى معلوماته الأولية في كتّاب البلدة، وعندما فتحت وزارة المعارف فيها مدرسة ابتدائية سنة 1368التحق بها، وأكمل الدراسة الابتدائية سنة 1372 فالتحق بالمعهد العلمي بالرياض وحصل على الشهادة الثانوية منه عام 1376ومن ثم التحق بكلية الشريعة بالرياض، وعند بدء الدراسة في السنة الثالثة أبدى رغبته في الانتقال إلى كلية اللغة العربية، وتم له ما أراد، وفي العام الجامعي 1380/1381هـ عندما كان في السنة الثالثة بكلية اللغة العربية بالرياض أصيب في قواه العقلية، وشخّص الأطباء حالته بأنها انفصام حاد في الشخصية ولم يتمكن من استكمال دراسته الجامعية، استنجدت مؤسسة اليمامة الصحفية بنخوة الأمراء والأثرياء والقراء للتبرع لعلاج الشاعر، وحقق هذا النداء أثرا طيبا، وكان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز؛ أمير الرياض آنذاك، وسمو الأميرين سطام بن عبد العزيز وفيصل بن فهد - رحمهما الله - قصب السبق في علاج الشاعر في الخارج.. وأعقب ذلك حملة أخرى نظمتها جريدة الجزيرة، وتوجت هذه الجهود بأن أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - بشراء دار للشاعر في الطائف؛ وممن استجاب لهذه الحملة ماديا ومعنويا الشاعر سعد البواردي إذ صدَّر كتابه (ثرثرة الصباح) بإهدائه للشاعر حمد الحجي، كما خصص نصيبًا من ريعه لصالح الحجّيّ. ثم تحدث المحاضر عن رحلاته العلاجية إلى لبنان والكويت ومصر وبريطانيا إلى أن استقر به المقام بمستشفى الصحة النفسية بالطائف، ثم دار الرعاية الاجتماعية بالرياض التي توفي فيها بتاريخ 30/4/1409م. واستهجن الآراء التي تناولت سيرة الحجي وأرجأت مرضه النفسي مؤخرًا إلى أنه نشأ يتيمًا فقيرًا، حين فقدَ أمه وهو في التاسعة، وفقد أخوين له في تلك الفترة، ثم فقد أباه بعد ذلك، ولم يتزوج والده بعد وفاة والدته لقلة ذات يده، وانتقاله للإقامة لدى شقيقته الكبرى وزوجها، واتهموه بالعزلة والانطواء، وإن كان قد تأثر كغيره ممن تأثروا في تلك المرحلة لظروفها الصعبة حيث حصدت العديد من الأرواح نتيجة الأوبئة وفقد الكثير آباءهم وأبناءهم، وقد كان شعره ينبض بتفاعله مع مجتمعه ومع وطنه الصغير والكبير واهتمامه بقضايا الأمة، وما حبه لنجد ومن بها من أهل وخلان، وتذكره لها وهو في مغاني لبنان إلا دليل على أنه كان شديد التعلق بوطنه وأهله، مؤكدًا أن الحجي عاش فترتي الطفولة ومقتبل الشباب عيشة سوية ولم تظهر عليه علامات المرض حتى أصابه وهو في الرابعة والعشرين من عمره طالبا في كلية اللغة العربية، مما يعني عدم تحميل ظروف النشأة الأولى أسباب مرضه حتى في أخريات عمره في دار الرعاية الاجتماعية بالرياض لم يكن فاقدًا للذاكرة، أو غير مدرك لواقعه، ولكن يبدو أن إصابته بمرض الفصام أوجدت لديه حساسية مفرطة ورسمت في ذهنه رؤية مثالية، وصورة نموذجية لما يجب أن يكون عليه المجتمع، وبخاصة أنه كان كثير القراءة واسع الاطلاع. ولما بدأ يُظهر لأقرانه ولِداته هذه الرؤى أخذ فريق منهم يزدريه ويسخر منه. ولأنه كان مفرط الحساسية ولم تكن لديه القدرة على مجابهة هؤلاء فضَّل الانسحاب من المجتمع، عندها بدأ يعاني من غربة روحية قاتلة أشد إيلاما من الغربة المكانية، ما لبث أن صرح بها فهو لا يشتكي مفارقة الوطن والبعد عن الأهل بقدر ما يشتكي غربة الروح، وقال إن كثرة تردده على المصحات خاصة أن بعض المستشفيات لم تكن مؤهلة بالشكل المطلوب مما أدى إلى تردي حالته الصحية. وأشار المحاضر إلى أن الحجي عرف الحب وعاش تجربة جميلة لكنها لم تكتمل ولم يكتب لها النجاح مما سبّب له صدمة عاطفية فاقمت من حالته، فقد ابتعد عن الحبيب أو ابتعد عنه. فالمتأمل في بعض قصائده يجد شكوى مرة من بعد الحبيب مما جعله يتمنى قربه ليبدل خوفه أمنا، بل بلغ به اليأس من لقاء الحبيب مداه، فقرر أن ينفض منه يديه ليعود بشرًا سويا: يئســتُ مــن الغــرام فــلا وصــالٌ أُرجِّيــه .. ولا أمــلٌ لديَّـــا صبرتُ فحيـن لم يُجْــدِ اصطباري نفضتُ من الهوى كلتا يديا وإن مات الهوى في عمـق صـدري أعودُ بموته بشــرا ســويا وعن شعره وشاعريته أشار المحاضر إلى أن الفترة التي ولد فيها شاعرنا شهدت نشأة المدارس في نجد، وانتشار الكثير من الوسائل التثقيفية، كالمكتبات التجارية ثم المكتبات العامة والصحف والمجلات فالمطابع. وبدأ المدرسون يتوافدون على الجامعات والمدارس من خارج المملكة، ودخل المذياع البيوت؛ وبدت ملامح نضج تجربة الحجي منذ أن كان طالبا في المعهد العلمي. ووجد في الإذاعات العربية والمجلات والصحف المحلية والعربية منهلا عذبا يروي ظمأه، إضافة إلى الكتب التراثية والجديدة التي أصبحت متوافرة في المكتبات، كما وجد طريقه للنشر في المجلات والصحف المحلية مثل اليمامة والبلاد والندوة والجزيرة والأضواء، ووجد طريقه إلى مجلة الورود اللبنانية.. وظهرت بوادر تفاعله مع ما يقرأ "فقد نشر في عدد من أعداد مجلة اليمامة نقدا لكتاب حسن القرشي (شوك وورد) عكس مقدرته النقدية بالإضافة إلى اطلاعه الواسع على القديم والجديد، وقد نشر الأديب عبدالله ابن إدريس نماذج من أشعاره، مع نبذة يسيرة عن حياته في كتابه شعراء نجد المعاصرون 1380/1960، ثم تصدى الأستاذ محمد بن أحمد الشدي لجمع ديوانه ونشره سنة وفاته 1409/1989تحت عنوان (عذاب السنين) وهو الاسم الذي اختاره الشاعر نفسه للديوان حينما كان يفكر في جمع ديوانه وطبعه. وقد وردت عبارة (عذاب السنين) في أولى قصائد الديوان وهي المعنونة بـ (ديواني) إذ يقول: هذا أنا قد هد جسمي الأسى والقلب باك من عذاب السنين وعاب على ديوانه غياب التواريخ واختلاف بعض العناوين مع محتوى القصائد وقال إن من أسباب ضياع شعره أيضا أنه لم يستقر في مكان واحد، فقد قضى عمره متنقلا بين المصحات، وعدم احتفاء أسرته به شاعرًا. وذكر أغراض شعره ومنها التأمل المشوب بالتشاؤم، والوطنية، والغزل، ووصف الطبيعة، والعاطفة الدينية، والإخوانيات. وعن مكانته الشعرية قال: إنه شاعرٌ أصيل يمتاز شعره بجزالة اللفظ وجودة السبك. امتاز بقدرة فائقة وغزارة، وبنبوغ شعري مبكر ارتقى به إلى مكانة عالية بين شعراء جيله بعد التحاقه بالجامعة وتوسع قراءاته المختلفة ومشاركاته في المجالس الأدبية التي تعقد في الكلية وخارجها. لكن قصائده لم تبلغ ذروتها الإبداعية إلا بعد تعرضه لألوان المعاناة النفسية. وهذه حقيقة يمكن إدراكها عند مقارنة قصائده في فترتي ما قبل المرض وما بعده. أو عند مقارنة قصيدة من قصائد التأمل مع قصيدة في غرض آخر، وإن كُتبتا في الفترة نفسها، ويربط كثير من الدارسين بينه وبين الشابي تارة وفهد العسكر تارة أخرى. وفي ختام المحاضرة تواترت الأسئلة والمداخلات متناولةً حياة الشاعر ممَّن عايشه من الرواد، وشاعريّته برؤى نقديّة متخصّصة. جدير بالذكر فقد أُعلن عن المحاضرة القادمة بعنوان: "حركة القمر ورصد الأهلّة" التي سيقدّمها الرَّائي الأستاذ عبدالله الخضيري ويديرها الدكتور عبدالعزيز الخراشي يوم السبت 22 شعبان 1440هـ الواقع في 27 نيسان (أبريل) 2019م.