مذكّرات يوسف ياسين
أشار الأستاذ قاسم الرّويس إلى أن الشيخ يوسف ياسين كان من أبرز رجالات المؤسّس الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه؛ حيث تسنَّم عددًا من المناصب الحساسة، وتولى عددًا من المهمات السياسية، وعايش كثيرًأ من الأحداث التاريخية، وكان من أقرب الناس إلى الملك عبدالعزيز وألصقهم به، واستمر بعد رحيل الملك عبدالعزيز مستشارًا مقربًا عند الملك سعود وعضوًا في مجلس الوزراء، وتولى عددًا من المسؤوليات. جاء ذلك في محاضرة ألقاها في دارة العرب بعنوان: "مذكّرات يوسف ياسين"، وأدارها د.عبدالرحمن المدريس، بحضور ابن أخيه الأستاذ نعمان ياسين، يوم السبت 9 رجب 1440هـ الواقع في 16 آذار (مارس) 2019م .
ثم قدّم المحاضر سيرة موجزة للشيخ يوسف ياسين، الذي وُلد في مدينة اللاذقية السورية، ونشأ فيها، وتربى في كنف والده تربية دينية، وتنقل في ثلاث مدارس بين القاهرة والقدس ودمشق، مستعرضًا جهوده المبكرة في خدمة القضية العربية؛ حيث تفتح ذهن يوسف ياسين على الفكرة العربية أول ما تفتح أثناء دراسته في مصر حيث كان يقيم كثير من رجال الحركة العربية، ويسعون لتحرر العرب من الحكم التركي بطريقة أو بأخرى؛ فلم يرجع من مصر إلا وقد تشرب الفكرة وتوقدت روحه بالحماسة القومية، وقسّم نشاطاته ونضاله في خدمة القضية العربية وما تخللها من وظائف تعليمية وصحافية وسياسية إلى مراحل ثلاث؛ حيث تبدأ المرحلة الأولى من عودته من مصر إلى دخول الإنجليز إلى القدس خلال الفترة (1914 – 1917م) التي طغى عليها حماس الشباب وفورة العواطف والعمل السري ضد الحكم العثماني، أما المرحلة الثانية فتبدأ من بعد دخول الإنجليز القدس إلى معركة ميسلون خلال الفترة (1917 – 1920م) التي انضم خلالها متطوعًا إلى إحدى فرق الجيش العربي المتجهة إلى دمشق، ثم عمل في سبيل القضية العربية وأثبت مشاركة فاعلة أدت إلى ضمه رسميًا إلى جمعية الفتاة المسيطرة على مفاصل الحكم العربي في دمشق، ونشط في اللاذقية لدرجة جعلت الفرنسيين يضيقون عليه ويبعدونه عن اللاذقية أكثر من مرة، ثم جاءت المرحلة الثالثة من بعد معركة ميسلون إلى التحاقه بالملك عبدالعزيز (1920-1924م).
وأشار المحاضر إلى أن يوسف ياسين التحق بالملك عبدالعزيز في البداية بوظيفة كاتب كما ذكر الزركلي، وباشر وظائف في غاية الأهمية؛ منها رئاسة تحرير جريدة أم القرى (1343هـ)، والمشاركة في مفاوضات اتفاقية بحرة واتفاقية حدا (1344هـ)، ثم عضوية هيئة استلام المهمات العسكرية وإنفاذ الاتفاق في جدة (1344هـ).كانت هذه الوظائف في السنة الأولى ثم تولى عددًا من المناصب والمسؤوليات الكبرى؛ منها مدير المطبوعات، ووكيل للخارجية، ونائب لوزير الخارجية، ثم السكرتير الخاص لجلالة الملك، ثم رئيس الشعبة السياسية، فمندوب للملكة في جامعة الدول العربية عام 1363 – 1370هـ؛ وبعد مضي 21 سنة من عمل يوسف ياسين المتواصل في المملكة العربية السعودية، وفي سنة 1364هـ تحديدًا صدر المرسوم الملكي باعتبار يوسف ياسين وزيراً من وزراء الدولة.
ثم تحدث المحاضر عن آثار يوسف ياسين الفكرية والسياسية، لما لشخصيته من حضور ثقافي ونتاج أدبي ومشاركات متنوعة، جمع فيها بين الحضور المنبري والحضور الكتابي، فكان لصوته تأثير ولقلمه أثر، وقد اشتهر بتمكنه في الخطابة وقدرته على الإلقاء. وبرز في هذا الجانب منذ نشأته، وأكد المحاضر بأن أبرز كتابات يوسف ياسين في الصحافة هو ما كتبه ونشره من خلال صحيفة "أم القرى"، كما نشر في جريدة "الصباح" و"القبلة" و"ألف باء" و"المفيد" و"القبس"، ولو أمكن التوصل إلى كل ما كتب وجمعه لشكّل مادة ضخمة وثريّة ستفيد الدارسين لسيرته والباحثين في آثاره.
كما تحدث المحاضر عن مؤلفات يوسف ياسين التي ظهرت بعد وفاته، ومنها في كتاباته الصحفية (الرحلة الملكية) التي أصلها الرحلة السلطانية، و(يوميات الدبدبة)، ونقده لكتاب (خواطر مصرحة)، كما كان يوسف ياسين من المشاركين في إعداد كتاب (السجل الذهبي).
وقال إنه قد أُخذ على الشيخ يوسف ياسين عدم إقدامه خلال حياته على طباعة ونشر أي مؤلف عن تاريخ البلاد السعودية لانشغاله الدائم.
وعن الوثائق والمراسلات، فقد خلف يوسف ياسين كثيرًا من الوثائق والمراسلات والأوراق المفيدة لدارسي التاريخ السعودي الحديث، ومن الجميل أن أبناءه سلموا لدارة الملك عبدالعزيز بالرياض قبل سنوات وثائق والدهم ومراسلاته مع الملك عبدالعزيز؛ كما تولى الإشراف على عدد من المطبوعات الرسمية وطباعة الكتب الدينية.
وأكد المحاضر بأن يوسف ياسين واصَل العمل بجد وإخلاص حتى وافته المنية في مدينة الدمام بالمنطقة الشرقية أثناء مرافقته للملك سعود في إحدى زياراته إثر نوبة قلبية يوم الخميس 15 ذي القعدة 1381هـ، الواقع في 19 أبريل 1962م، ودُفن في الرياض، كما سُجلت عن سيرته مؤخرًا أكثر من رسالة جامعية، وصدر كتاب عنه باللغة الإنجليزية من تأليف جوزيف كشيشيان.
وفي ختام المحاضرة استمع الحضور إلى تسجيل صوتي لفاتحة مذكّراته بصوته الجهوري، الناطق بلغة عربية فصيحة ونبرة هادئة وأسلوب قصصي واضح في مرحلة متأخرة من حياته، تلا ذلك جملة من المداخلات التي عبّرت بوفاء عن الراحل