إسبانيا والأندلس، جناية تاريخ أم أزمة هُويّة..؟

قدَّم الدكتور صالح بن عيظة الزهراني قراءة لعدد من الكتب الإسبانية التي تتحدث عن فكرة "الأندلس في إسبانيا وعلاقة هذه الهويّة بالماضي العربي الإسلامي"؛ حيث يرى بعض المؤرخين الأسبان أن المؤرخين العرب بالغوا في كتابة التاريخ؛ موضحين بأن الدين الإسلامي دخل الأندلس نتيجة ثورة داخلية في الأندلس ذاتها، وليس فتحاً كما يقول المؤرخون العرب. ورصد المحاضر ردود فعل الكُتاب الأسبان على هذه الكتب التي كان لها صدىً واسع في الأوساط الثقافية الأسبانية، حيث يُجمع الأسبان على التفاخر بالأندلس ويختلفون على هويتها. جاء ذلك في محاضرة ألقاها في مجلس حمد الجاسر يوم السبت 5 محرم 1440هـ الواقع في 15 أيلول "سبتمبر" 2018م وأدارها الأستاذ عبدالله العمري. وافتتح المحاضر محاضرته بالحديث عن "كينونة إسبانيا" و:"إسبانيا في صورتيها" موضحًا أن الحديث عن كينونة إسبانيا فيه إشكالية في فهم الأصول الثقافية الوجودية للثقافة الإسبانية وثقافة الإنسان في شبه الجزيرة الإيبيرية، وهذه الفكرة تبلورت على نحو أكثر في عدة مراحل من تاريخ إسبانيا الحديث، عندما بدأت تفقد مستعمراتها في أمريكا الجنوبية، خاصة مع مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، مع وجود بعض الإشكالات الخاصة بإسبانيا عسكريًا، وتأخر إسبانيا، وانحدارها من إمبراطورية إلى دولة ضعيفة في القارة الأروربية. وأكد المحاضر أن العام 1898م كان تاريخاً كارثيًا بالنسبة لإسبانيا بعد فقدانها كل مستعمراتها نتيجة صدامها مع الولايات المتحدة الأمريكية على حيازة كوبا، وانتصار القوات الأمريكية على إسبانيا، فتحولت أمريكا من قوة إقليمية إلى قوة عالمية، بينما تراجعت إسبانيا من إمبراطورية استعمارية إلى دولة عادية جداً في جنوب القارة الأوروبية، لا قيمة لها ولا قوة، وهذا يوضح بأن إسبانيا ليس لها مرتكزات مثل ألمانيا وفرنسا. وتحدث المحاضر عن نشأة جيل في عام 1898 يتصدرهم مجموعة من المثقفين والأدباء، يناقشون هذه المسألة، ويضعون إسبانيا في صورتها الحقيقية: وهل هي دولة حامية للكاثوليكية المسيحية بنظامها الملكي والإقطاعي، أم هي إسبانيا المتنورة والمتقدمة التي يجب أن تلحق فرنسا وغيرها من الدول المتقدمة؟ متحدثًا عن الفجوة بين الثقافة الفرنسية المتنورة والإسبانية المنكمشة. كما نشأ في العام 1914 جيل ينادي بإسبانيا الأوروبية والأندلس التي يريدها الأسبان، وتفاخرهم بالتراث الأندلسي بصورة مغايرة للأندلس في تاريخ العرب؛ حيث يرى ذاك الجيل بأن الأندلسيين هم أسبان تأثروا بالفكر الإسلامي والثقافة العربية، بعد أن وجدوا تعمق الثقافة العربية فيهم. وذكر أنه في عام 1974 صدر كتاب لأحد المثقفين الكتالونيين حاول أن يكذّب دخول العرب إسبانيا، موضحًا بأن الإسلام جاء نتيجة ثورة في الداخل ولتشابه الفكر الإسلامي بفكر الأسبان القديم. وفي ختام محاضرته تحدث عن كاتب إشبيلي من الأندلس متخصص في الدراسات العربية والإسلامية، أصدر كتابًا بعنوان: "عندما كنا عرباً"، قال فيه: إن الإسلام ظهر في مكة، ولم تكن هناك أمة إسلامية إلا بعد تاريخ الفتح الإسلامي في الأندلس، ويقول بأنه إلى الدولة العباسية لم يكن هناك من ينادي بالكتلة الإسلامية، خاصة أنه يتحدث عن المصادر التي كُتبت في الفترة ذاتها، وبعضها مصادر لاتينية كانت تشير إلى وجود تعدد في المكون الثقافي والبشري، لكنه لا يشير إلى قوة إسلامية، والاعتماد على ما كتبه الإدريسي أو ابن القوطية هو اعتماد على مصادر متأخرة، ويشير المؤلف بأن كتابة العرب للتاريخ مليئة بالأساطير، وأشار المحاضر إلى أنه سيعقب هذا الكتاب العديد من الكتابات، خاصة في الجانب الأدبي والروايات التي تستلهم الماضي العربي بعد سقوط غرناطة والعنصرية التي مُورست ضد العرب.