د. صالح السنيدي يتحدث عن أهداف الرحالة وليم بلجريف في شمال ووسط جزيرة العرب

تحدث الدكتور صالح بن محمد السنيدي –أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الإمام بالرياض سابقا- عن مشاهدات وانطباعات وأهداف الرحالة وليم بلجريف في شمال ووسط جزيرة العرب خلال الفترة (1862م/1279هـ) مستعرضاً سيرته ومغامراته و مذكراته في الجوف وحائل والقصيم، خلال مادة جمع فيها رحلته في كتابٍ أسماه "وسط الجزيرة العربيَّة وشرقها"، جاء ذلك خلال محاضرة بهذا العنوان ألقاها في مجلس حمد الجاسر اليوم السبت 8 جمادى الآخرة 1439هـ وأدارها الدكتور عبدالعزيز الهلابي. وقدَّم في بداية المحاضرة نبذة عن وليم جيفور بَلجريف William Gifford Palgrave الانجليزي الأصل، الذي وُلِدَ سنة 1838م/1254هـ، من أبٍ يهوديٍّ اشتهر بالعلم والأدب، ونالت عائلته نصيبها من المكانة والاحترام في المجتمع الانجليزي، فالتحق بالجيش البريطاني بعد تخرُّجه من جامعة أكسفورد وتعيَّن في بومباي، لكنَّه انسحب من الجيش بعد سنة، لينضم إلى جماعة الآباء اليسوعيِّين النَّصرانيَّة، وقد واصل مشواره معها حتى أصبح قسِّيساً في البعثة التَّبشيريَّة بلبنان، التي نجا منها بأعجوبة بعد المذبحة التي قام بها الدُّروز ضدَّ النَّصارى هناك، كان ذلك في صيف سنة 1860م/1276هـ ولذا فقد قاد حملة في أوروبَّا لإنقاذ نصارى لبنان ومساعدتهم على تجاوز محنتهم؛ وقبل المذبحة وأثناء تواجده في لبنان كانت له أنشطةٌ تجسُّسيَّة وتحريضيَّة. وكان قبل ذلك قد درس العربيَّة وأجادها، بالإضافة إلى معرفته بعدد من اللغات الأخرى؛ ويبدو عليه أنَّه شخصيَّة متقلِّبة قلقة، فبعد مسيرته الطَّويلة مع الكنيسة الكاثوليكيَّة تحوَّل إلى البروتستانتيَّة، ثم ترك الكل وانضمَّ للخارجيَّة البريطانيَّة، ليتقلَّب في عدَّة مناصب، كان آخرها في أوروجواي التي توفِّيَ فيها سنة 1888م/1305هـ. وقال بأنه من الممكن التَّعرف على الأهداف الفرنسيَّة من خلال تقارير بلجريف نفسه في مذكِّرات رحلته هذه، واهتمامات فرنسا التَّوسعيَّة ومنافسة النُّفوذ البريطاني في تلك الفترة. وقد ناقش مشروع فرنسا التوسعي والصراع بينها وبين بريطانيا على المنطقة العربيَّة في كتابه: "رحالة إسباني في الجزيرة العربيَّة" بشيء من التوسع، وتجلَّى هذا الاهتمام في عدد الرحالة والمستكشفين الذين أرسلتهم وموَّلت رحلاتهم فرنسا ابتدءاً بدومنجو باديا وانتهاءاً ببلجريف. وقدَّم عرضاً وتحليلاً ونقداً لما ساقه بلجريف في سجل رحلته من معلومات وذكريات وأحاديث عن داخل جزيرة العرب ومقارنتها بما توفر من كتابات عن هذه الفترة الفقيرة بمادتها العلميَّة، إلاَّ بما جادت به أقلام قلة من الباحثين والرِّحالة من مرتادي هذه المنطقة أو تلك، وهي في غالبيتها تعتمد على المشاهدة والسَّماع، فالجوف التي تعتبر البوابة الرئيسيَّة لعبور المغامرين الأوروبيِّين إلى وسط الجزيرة العربيَّة، شدَّت انتباه هؤلاء وأثارت فيهم غريزة حبِّ الاستطلاع ونبش تاريخها وحضارتها القديمة، والوقوف على أطلالها وأحوالها، ممَّا لا يستغني عنه من يريد الكتابة عن تاريخ الجوف، وكان بلجريف أحد هؤلاء الذين مرُّوا بها، ومع قصر المدَّة التي قضاها إلاَّ أنَّه أمدَّنا بمعلومات ذات قيمة في الجانب السِّياسي والاقتصادي والاجتماعي والجغرافي. ومثلها جبل شمر التي وصلها بعد زيارته للجوف في وقت كانت تتمتع فيه بفترة من الاستقرار والازدهار السياسي والاقتصادي في ظلِّ حكومة قوية، خصَّها بلجريف بوصف ضافٍ وقراءة عميقة لوضعها السياسي وعلاقتها بالقوى المحيطة بها. وأشار المحاضر إلى أن منطقة القصيم كانت محلَّ اهتمام بلجريف حتى قبل أن تطأها قدماه، فقد أعجبته طبيعة حبِّ المغامرة لدى أهلها واهتماماتهم التجاريًّة، وتأكد هذا الإعجاب عندما زارها وعرفها عن قرب، فخصَّها بوصف طبائع أهلها وأرضها ومنتوجاتها الزراعية وتوقف عند أحوالها السِّياسيَّة. مؤكداً بأن بلجريف وصل إلى شمال وأواسط شبه الجزيرة العربيَّة، منطلقاً من معَان بالأردن في منتصف سنة 1862م/1279هـ. وقد كانت الجوف أولى محطَّات رحلته، انطلق منها إلى حائل فالقصيم ثم الرِّياض فالأحساء، مواصلاً رحلته إلى أقاصي الخليج العربي مروراً بدويلاته المتعدِّدة. على أنَّ بلجريف تميَّز عن غيره من الرَّحالة والمستكشفين، بالغوص في أعماق تلك المجتمعات التي زارها، فاهتمَّ بالجوانب الدِّيموغرافيَّة والأنثروبولوجيَّة، بالإضافة إلى اهتمامه بالجوانب الطُّبوغرافيَّة والتَّاريخيَّة والسِّياسيَّة.