الأمة العربية والتحدِّيات الاستراتيجية المعاصِرة
اختتم مركز حمد الجاسر الثقافي برنامجه السنوي بمحاضرةٍ ألقاها الأستاذ الدكتور عزّالدِّين موسى، بعنوان "الأمَّة العربية والتحدِّيات الاستراتيجية المعاصِرة"، وأدارها الأستاذ الدكتور علي بن فائز الجحني، يوم السبت 17 شعبان 1438هـ الموافق 13 أيَّار (مايو) 2017م، أشار فيها الـمُحاضِر إلى أنَّ ضَعْف الإنفاق على البحث العلمي يُعَدُّ مِن أبرز التحدِّيات التي تُواجِه الأمَّة العربية، مُوضِحاً هبوط معدَّل النمو خلال الفترة 2010-2014م بسبب الأزمة المالية الاقتصادية المالية العالمية في السنتَيْن 2008-2009م، وأشار إلى أنَّ نسبة الفقر تُراوِح في أكثر من 10 أقطار عربية بين 40% و60%، وتكشف حصَّةُ الفقراء العاملين عن اتِّجاهات تضاعُف مشكلة الفقر في المناطق العربية. وأوضَحَ أنَّ النموذج الاقتصادي يوجِّه رَيْعَ الموارد في المنطقة إلى مشاريع عقارية فَخْمة وإنفاق غير منتِج للقطاع العام، ويوجِّه رَيع الموارد أيضاً إلى نفقات عسكرية وإنفاق يُفيد شريحة صغيرة في المجتمع، ويُلاحَظ انخفاض دَخْل الأسرة السنوي في السنوات الأخيرة، وذلك كلُّه يُضاعِف عدم المساواة في المجتمع ويُحْدِث نفرة بين الموسِرين والمعوزين ويفتح الطريق للنَّزعات السياسية.
وقال إنَّ الاقتصاد العربي تأثَّر بنسبة عالية على صُعُد الحياة كافَّة وفقاً لمؤشِّرات التنمية التي أجمَلَها لنا تقريرُ التنمية الإنسانية للعام 2016م مع ما يُوافِقُه من تقارير منظَّمات الأمم المتحدة، إذ لا تتفوَّق منطقتُنا العربية في نموِّها إلاَّ على أفريقيا جنوب الصحراء.
وتحدَّث عن إفرازات الاقتصاد الرَّيْعي، إذ أشار إلى أنَّ النموَّ السكَّاني كان 2% سنوياً ولكنَّ المشكلة في تضاعُف عدد السكان في السنوات الأخيرة حتى بلغ 366 مليون نسمة، وسيصل عام 2030م إلى 481 مليون نسمة؛ أي أنَّ الزيادة تُقَدَّر بـ33%، مع اقتصاد استهلاكي رَيْعي ومَوارده ناضبة!
وبيَّنَ أنَّ نسبة العاملين من عدد السكَّان ضعيفة مُقارَنةً بالمناطق النامية الأخرى، فنسبة القوى العاملة في المناطق العربية هي 52.7% من عدد السكَّان، بينما نسبتها في شرق آسيا (الأقلّ مَواردَ منَّا) هي 72.8%، وفي أمريكا اللاتينية 67.3%، ونسبة البطالة في البلاد العربية عالية جداً مُقارَنةً بالبلاد النامية الأخرى، فنسبتُها في البلاد العربية 10%، وفي جنوب آسيا 8.6%! ولكنْ يُلاحَظ الاختلاف في البلاد العربية في المجموعة المتقدِّمة منها مثل دول الخليج (4%) ولكنَّها عالية جداً في الدول الأخرى.
وقال إنَّ المتضرِّرين من الكوارث الطبيعية في المناطق العربية بين العامَيْن 2000 و2012م بلغ نحو 10939 شخصاً في المليون.
ويُلاحَظ ضَعْف الإنفاق على التعليم من الناتج الإجمالي للبلاد العربية بالمقارَنة بالدول النامية الأخرى، فنسبتُه في البلاد العربية 4.3%، وفي آسيا وأمريكا اللاتينية 5.2%، وتختلف الدول العربية في مؤشِّرات كثيرة مثل عدد التلاميذ لكلِّ معلم، ولا تُستثنى دولة من تسرُّب الطلاب من التعليم مع اختلاف نسبته بين الدول، مُوضِحاً أنَّ هناك ضَعْفاً في تدريس الرياضيات والعلوم البحتة مُقارَنةً بالعلوم النظرية والدِّينية.
واستهجَنَ ضَعْف الإنفاق على البحث العلمي في العالم العربي، حيث بلغ أقل من 0.1% من الناتج الإجمالي للبلاد العربية (إلاَّ في تونس التي بلغت النِّسْبة فيها 1.1%)، بينما في إسرائيل 2.1%!
وقال إنَّ مِن أخطر إفرازات هذه المعطيات هو الشعور بعدم الرِّضا عن الجهود المبذولة في مختلف صُعُد الحياة، فنسبة الرِّضا لا تتجاوز عادةً نِصْف المستفتَيْن، فنسبة الرِّضا عن التعليم 48%، وعن الرعاية الصحية 39%، وعن المحافظة على البيئة 36%، وعن محاربة الفساد 21%، مؤكِّداً أنَّ هذه الإحصاءات تولِّد شعوراً بالفشل لدى المجتمعات، فيصبح أهلُها بين خيارَيْن أحلاهما مُرّ: إمَّا ركود وإمَّا عنف، لاسيَّما في عصرٍ سريع التغيُّر كثير التعقيد، وفضاء مفتوح بفَضْل الثورة المعلوماتية، وشيوع قِيَم المساواة والعدالة والحرِّية وطلب الرَّفاه الاجتماعي، والتوتُّرات والصِّراعات الداخلية والحروب الإقليمية المدمِّرة في عدد من البلاد العربية والمؤثِّرة على تلك التي لم تدخُل في أتونها، فإمَّا النزوح أو الهجرة أو اللجوء أو التمرُّد.
وقال إنها جميعاً ظواهر جليَّة واضحة في المناطق العربية مُقارَنةً بغيرها من المناطق، مشكِّلةً مهدِّدات عظيمة للتنمية البشرية والإنسانية، إذ إنَّ تقديرات النزوح وفقاً لمركز رَصْد النزوح الداخلي في عام 2013م في مناطق البلاد العربية التي شهدت اضطرابات، بلغت في سورية 6 ملايين نازح، وفي العراق 2.4 مليون، وفي السودان 2.5 مليون، وفي الصومال 1.1 مليون، وفي فلسطين انخفضت إلى 144 ألف، وتصاعَدَ الرقم في سورية في يوليو 2015م إلى 11.6 مليوناً! أمَّا أعداد اللاجئين خارجياً فلا تقلُّ عن ذلك في شيء؛ فيُقدَّر عدد اللاجئين في المنطقة في العامَيْن 2012 و2013 م بـ10 ملايين، منهم من فلسطين 5 ملايين، ومن سورية 3 ملايين، ومن السودان أكثر من نِصْف مليون، وكذلك العراق.
وأوضَحَ أنَّ بلاد المنطقة العربية بيئة طاردة باستثناء دول الخليج النفطية ولبنان والأردن، حيث يعيش 27 مليون وافد في منطقة الخليج ويمثِّلون80% من العمالة الوافدة في العالم العربي، ويستقبل لبنان 14.9% من عدد سكَّانه ويرسل 22%، وكذلك الأردن يستقبل 14% ويرسل 19%.
وقال إنَّ تقديرات نسبة الشباب في المنطقة العربية ارتفعت ارتفاعاً كبيراً في العقود الأخيرة فبلغت ما بين 57-60%، ويعيش غالبُهم في مناطق حَضَرية، وهم أكثر انفتاحاً على تقنية المعلومات.
وأكَّد أنَّ التحدِّيات الاستراتيجية المعاصِرة لم تُعامَل في المجتمع العربي بمعالَجات جذرية تنفُذ إلى جذور تلك التحدِّيات، فمثلاً لابدَّ من تربية تمكِّن توطين التقانة وتغيِّر منهج التعليم تغييراً جذرياً، ولا مناص من اقتصاد منتِج لا مستهلِك ولا مستَغَلّ مِن قِبَل قلَّة من الناس.