«المسابلة» ترابط تاريخي بين السعودية والكويت

من الخطأ الإحجام عن دراسة الموضوعات المتعلقة بالخلافات السياسية والأزمات التي مرت بها العلاقات بين البلدين المتجاورتين، بحجة أن ذلك يتعارض مع مساعي الوحدة وحسن الجوار، وأنه يثير ذكريات أليمة. بهذه الكلمات بدأ د. فائز موسى البدراني محاضرته بمجلس حمد الجاسر الثقافي صباح أمس بعنوان "أزمة المسابلة بين نجد والكويت أسبابها وتداعياتها" وإدارة عبدالله السعدون. وبين البدراني أنه ينبغي دراسة تلك المواضيع وبحثها لأخذ العبرة منها ولتلافي حدوثها مستقبلاً، ولنشر الوعي التاريخي للأجيال المعاصرة بدلاً من إخفاء المعلومات الحقيقية، مشيرا إلى أن العلاقات السعودية والكويتية من أهم المواضيع التي طرأت بعد استقلال الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بحكم نجد؛ حيث ظهرت الحاجة إلى تنظيم المسائل المتعلقة بالتبادل التجاري أو ما عرف محلياً "المسابلة" من عام 1917 حتى عام 1947م. وعرّف البدراني المسابلة بأنه أن يأتي العرب إلى المدينة فيسابلون تجارها أي يشترون منهم ما يحتاجون إليه من ملبوس ومأكول، وغالباً ما يأتون بالصيف فيشترون ما يلزمهم لفصل الشتاء كله ويدفعون ثمنه بعد أن يصلحوا مواشيهم، أي يربعونها ويستثمرونها في أواخر الربيع، وقال إنه في عام 1340 هجري كانت الكويت تموّن نجدا بكل ما تحتاجه، وبعد انتشار هجر الإخوان أصبح من المتعذر على الحكومة أن تضع لها دوائر استيفاء الرسوم على تلك الضرائب، وأرجع البدراني أهمية سوق الكويت إلى قربها من نجد ومركز متوسط بين الدول المجاورة وسهولة التعامل مع التاجر الكويتي في عملية البيع والشراء بالدين، أيضا سهولة حصول التاجر النجدي على جميع البضائع من محل واحد وانخفاض الرسوم المفروضة من قبل الكويت على البضائع الواردة والصادرة في جميع منافذها واعتدال أسعارها. وتناول البدراني في محاضرته بداية ظهور أزمة المسابلة تاريخياً بين السعودية والكويت؛ حيث استهل جابر المبارك الصباح عهد في إمارة الكويت 1334 هجري إلى فرض ضرائب مما أكسب الكويت مردودا ماليا، وكان الملك عبدالعزيز يسعى إلى تحويل التجارة النجدية إلى موانئه "العقير، القطيف، الجبيل"، سعياً إلى تنشيط تلك الموانئ وتحصيل الجمارك على البضائع المتجهة إلى نجد؛ حيث وجه الملك عبدالعزيز بوقف المسابلة مع الكويت والتحول إلى موانئ السعودية، فتأثر تجار الكويت وشرع الشيخ أحمد الجابر الصباح لمناقشة الموضوع مع الرياض، ولم يتم التوصل إلى حل مرض للطرفين، فقد بقى الحال لبضع سنوات ونتيجة لفشل المفاوضات؛ حيث كتب الملك عبدالعزيز إلى الشيخ أحمد الجابر عام 1339، أبلغة فيه بمنع رعاياه من المسابلة مع الكويت وتوجيه أنظارهم إلى مسابلة موانئ بلادهم كالقطيف والأحساء والجبيل، ولا يمكن العدول عن ذلك إلا إذا جرى تعيين موظف معين من قبل نجد لاستلام الرسوم المفروضة من رعاياه. وسلط الباحث البدراني الضوء على أزمة المسابلة إلى أن الملك عبدالعزيز منذ استعادة الرياض، استهلك جزءا كبيرا من الإيرادات مما أدى إلى زيادة الإنفاق والصرف والحاجة إلى مورد مالي، ومع تعرض الاقتصاد العالمي إلى كساد اقتصادي، وارتفاع أسعار السلع والبضائع التي تصل السعودية عن طريق البحرين، إضافة لصعوبة تأسيس جمارك بين البلدين لطبيعة المكان الصحراوي، رغب الملك عبدالعزيز إلى توجيه مواطنيه إلى موانئ العقير والقطيف والجبيل. واستطرد البدراني في حديثة إلى أن المسابلة بين السعودية والكويت من أهم المواضيع التي مرت بعلاقات البلدين، فقد تكبد البلدان خسائر كبيرة في اقتصادهم القومي ومصالحهم، وأن أزمة المسابلة وتوقف التبادل التجاري أدى إلى ظهور نوع من التجارة غير النظامية وهي تجارة التهريب، للتخفيف من حدة الحصار وفتح الأسواق المجاورة، فنشطت علاقات التجار النجديين مع الهند والبحرين وسوق الشيوخ والبصرة وبغداد. واختتم البداني محاضرته إلى عمق العلاقات التاريخية بين البلدين السعودية والكويت وأظهرت عمق الترابط التاريخي والاجتماعي والاقتصادي بينهما على المستويين الحكومي والشعبي وتميز تلك العلاقة عن غيرها مع البلدان الحدودية مع غيرها.