د. فائز الحربي يتحدَّث عن "خيبر في القرن الثالث عشر الهجري" في مجلس حمد الجاسر

أوضحَ الباحث والمؤرِّخ فائز بن موسى البدراني الحربي أنَّ الأوضاع في منطقة خيبر خلال القرن الثالث عشر الهجري لم تكن بحالٍ جيِّدة، فالاضطرابات السياسية بلغت أَوْجَها، والموارد الاقتصادية كانت محدودة، والخدمات الصحية معدومة إلى حدٍّ كبير، والحالة الثقافية في وضعٍ متردٍّ جدًّا، والجهل كان مسيطرًا، وقد بقي الوضع على تلك الحال إلى أنْ جاء العصر السعودي الزاهر. جاء ذلك في محاضرةٍ بعنوان "خيبر في القرن الثالث عشر الهجري"، ألقاها في مجلس حمد الجاسر، يوم السبت 23/2/1437هـ الموافق 5/12/2015م، وأدارها الدكتور عبدالرحمن المديريس. وقد افتتح الأستاذ الحربي محاضرته بتحديد موقع خيبر الجغرافي، وتقديم نبذة تاريخية عنها، ثم أشار إلى شُحِّ المعلومات التاريخية عنها بعد العصر الراشدي، وذلك أنَّ كتابات الرحَّالة المسلمين كانت محصورةً -في الغالب- في وصف الأماكن المقدسة، ومنازل الحج، وحياة السكان في المدن الرئيسة، لكنها تكاد تخلو من الإشارة إلى الأوضاع العامة في المناطق القروية والقَبَلية الواقعة على طرق الحج في منطقة المدينة المنورة؛ باستثناء ما يتعلق بحوادث قَطْع الطريق ونحوها. وأوضحَ أن الاضطرابات السياسية في منطقة خيبر بلغت أَوْجَها في القرن الثالث عشر الهجري، مع بداية الصراع بين الأشراف والدولة السعودية الأولى، ثم بدخول قوات محمد علي باشا إلى الحجاز، وما تلا ذلك من مواجهات عسكرية دامية؛ مما كان سببًا في خسارة كثيرٍ من الأرواح والممتلكات، من الأهالي والـحُجَّاج، وعَجْز الدولة العثمانية عن وَقْف ذلك التدهور. وبيَّنَ أنَّ ضَعْف الدولة العثمانية إداريًّا واقتصاديًّا، وعدم قدرة ممثليها في الأقاليم على مواجهة حركات التمرُّد المحلية بالكفاءة المطلوبة، كان سببًا رئيسًا في تحريك أطماع بعض زعماء القبائل وتجرُّؤهم على الخروج على الدولة، والمطالَبة المستمرَّة برفع مخصَّصاتهم، كما زاد ذلك من أعمال اللصوصية وقَطْع الطريق مِن قِبَل العاطلين والمفسدين، وكان لهذا أثر واضح في الأوضاع في خيبر، وتذبذُب ولائها للقوى السياسية المتنافسة. وأوضحَ المحاضر أنَّ الموارد الاقتصادية للمنطقة خلال تلك الفترة كانت محدودة، تشمل المخصَّصات والمرتَّبات التي تدفعها الدولة لشيوخ القبائل والأعيان، ومُلْكية الأراضي الزراعية، والرعي، والتجارة، وأنَّ استغلال تلك الموارد كان مرتبطًا بحالة الدولة العثمانية، ولذلك فقد كان تردِّي الأحوال السياسية والاقتصادية في الدولة العثمانية ابتداءً من منتصف القرن الثالث عشر الهجري، كان من أهم أسباب تدهور الأوضاع المحلية في المنطقة، وجَعْلها مطمعًا للقوى المحيطة بها، وبخاصةٍ إمارة ابن رشيد في حائل. وفيما يتعلق بالنواحي الاجتماعية؛ أشار إلى أنَّ سكان حاضرة خيبر في تلك الفترة كانوا من السكان القرويين المعروفين بالخيابرة، وهم -في الغالب- من ذوي البشرة السمراء، إلا أنهم من خلال تاريخهم الطويل وتفرُّعاتهم الموحَّدة نسبيًّا، وتنظيماتهم الاجتماعية، شكَّلوا كيانًا عشائريًّا قَبَليًّا لا يختلف كثيرًا عن التكوينات الحضرية في القرى المجاورة. وكانت قبيلة عنزة تمثِّل النسبة الكبرى من سكان بادية منطقة خيبر خلال القرن الثالث عشر الهجري، ويمثِّل أفرادها أكبر مشارك للفلاحين الخيابرة في مُلْكية الأرض. وأكَّد أنَّ الخدمات الصحية في خيبر كانت معدومةً إلى حدٍّ كبير؛ مما أثَّر في الحالة الصحية في المنطقة، وساعد على استفحال وباء الملاريا في واحة خيبر، وكذلك تَفَشِّي أمراض المناطق الحارَّة، وارتفاع نسبة الوَفَيات. وأوضحَ أنَّ الحالة الثقافية كانت في وضعٍ متردٍّ جدًّا، كما يتبيَّن من الملامح الثقافية الممثَّلة في غياب المؤسَّسات التعليمية، ومِن ثَمَّ غياب المظاهر الأدبية شعرًا ونثرًا، وغياب الشخصيات الأدبية والعلمية في منطقة خيبر خلال تلك الفترة. وقال المحاضر: مع أنَّ الروح الدينية كانت حاضرةً في نفوس الأهالي، كما يظهر من حرصهم على إقامة الشعائر الدينية وتدريس القرآن للأطفال، إلا أنه يمكن القول بأنَّ الجهل كان مسيطرًا؛ بسبب قلة العلماء، وإهمال الدولة العثمانية لهذا الجانب؛ مما أدَّى إلى شيوع البِدَع، وانتشار السَّحَرة والمشعوذين، وتأثيرهم في أفكار الناس البُسَطاء. وبيَّن أنَّ الوثائق تُظهِر أنَّ الخيابرة وإنْ كانوا يشتركون في مُلْكية الأرض والنخيل مع قبيلة عنزة وفق أعراف متوارَثة وعقود مكتوبة، إلا أنهم كانوا يتمتَّعون بشيءٍ من الاستقلالية في تصريف أمورهم الداخلية، مع تبعيَّتهم للقوى السياسية المسيطرة على المنطقة، مثل الحاكم الإداري في المدينة المنورة (الذي كان يمثِّل –غالبًا- الدولة العثمانية)، أو إمارة حائل في بعض مراحلها. كما لا يمكن إغفال دور قبيلة عنزة المسيطرة على المناطق المحيطة بحاضرة خيبر، والتي كانت لها تملُّكات قديمة في المنطقة. واختتم المحاضرة بالتأكيد على أنَّ الوضع في خيبر بقي على تلك الحال إلى أنْ جاء العصر السعودي الزاهر، فانضوت خيبر -حاضرةً وباديةً- تحت لواء الوحدة، وعَمَّها الأمن والاستقرار.