ندوة علمية عن معالي الدكتور ناصر الدين الأسد رحمه الله
اختتم مركز حمد الجاسر الثقافي فعالياته للموسم الثقافي (1435-1436هـ) بندوة علمية عن معالي الدكتور ناصر الدين الأسد –رحمه الله- صباح يوم السبت 12 شعبان 1436هـ الموافق 30 أيار (مايو) 2015م، شارك فيها الأستاذ الدكتور محمَّد الهدلق والأستاذ الدكتور عزالدين موسى، وأدارها الدكتور منذر كفافي، سلَّط فيها المشاركان الضوء على سيرة الدكتور الأسد، ومسيرته العلمية، وجهوده في خدمة الأدب والفكر الثقافة، ومؤلَّفاته التي أَثْرَت المكتبة العربية، ووصفوا رحيله بأنه فَقْدُ آخِر عمالقة النهضة الفكرية والثقافية من جيله.
وقد افتتح الندوة سعادة الأستاذ الدكتور محمَّد الهدلق، فتحدَّث عن المسيرة العلمية والعملية لمعالي الأستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد منذ رأت عيناه النور أوَّل مرة في مدينة العقبة بالأردن عام 1922م حتى وافته المنية في 21 أيار (مايو) 2015م، فقد تعلَّم مبادئ القراءة والكتابة في المدرسة الابتدائية التي أنشأها والدُه في مدينة العقبة، ثم تنقَّل مع أسرته في عددٍ من المدن من بينها: الشوبك، ووادي موسى، وعمَّان، والقدس. وبعد حصوله على الثانوية العامة في الأردن التحق في أواخر عام 1944م بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة وحصل منها على شهادة الليسانس في عام 1947م، ثم الماجستير في عام 1951م، ثم الدكتوراه في عام 1955م، وقد أشرف على دراسته في مرحلتَي الماجستير والدكتوراه الأستاذ الدكتور شوقي ضيف، وكان موضوع رسالته للدكتوراه: "مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية"، ولقي الكتاب فور صدوره استقبالاً مميَّزًا من قِبَل الدارسين والباحثين لِمَا اتَّصف به من عمق التحليل وموضوعية البحث.
وسلَّط الضوءَ على جهود الدكتور الأسد في خدمة اللغة والأدب، وذكرَ حرصَه على تلقِّي الندوات واللقاءات العلمية التي كان يعقدها كبار الأدباء المصريين أمثال د. طه حسين، ومحمود شاكر، والعقَّاد، وأحمد أمين، والزيَّات، وكامل الكيلاني.. وغيرهم خلال مراحله الدراسية المختلفة في القاهرة، ونقلَ انطباع الدكتور الأسد عن تلك الندوات والمجالس وبعض ذكرياته الشائقة مع أساتذته.
ثم تحدَّث عن المناصب التي شغلها الدكتور الأسد، بدءًا من عمله في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية خلال الفترة 1954-1959م، وعمله مدرِّسًا لطلبة الماجستير في معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة لسنواتٍ عدَّة، وعميدًا لكلية الآداب والتربية في الجامعة الليبية ببنغازي خلال الفترة 1959-1961م، ثم استُدعي إلى الأردن للمساعدة في إنشاء الجامعة الأردنية بعمَّان، وقد عمل أستاذًا في اللغة العربية والآداب فيها، ثم عميدًا لكلية الآداب، ثم رئيسًا للجامعة خلال الفترة 1962-1968م، ثم عملَ وكيلاً للإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، والمديرَ العام المساعد المشرف على الشؤون الثقافية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالقاهرة خلال الفترة 1968-1977م، كما عملَ سفيرًا للأردن لدى المملكة العربية السعودية خلال العامَين 1977-1978م، ثم عُيِّن رئيسًا للجامعة الأردنية مرة أخرى في الفترة 1978-1980م، ثم وزيرًا للتعليم العالي في الأردن خلال الأعوام 1985-1989م، ورئيسًا للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية خلال الأعوام 1980-2000م. والدكتور الأسد عضو في عددٍ من المجامع والمجالس العلمية في مصر، وسوريا، والأردن ، والمغرب، والهند، والصين.. وغيرها.
وذكر د. الهدلق الـمِنَح والجوائز التي مُنِحت للدكتور الأسد تقديرًا لإسهاماته العلمية والثقافية المميَّزة، وأثنى على مؤلَّفاته الكثيرة التي أَثْرَت المكتبة العربية، واستعرض المؤلَّفات التي كُتبت عن عمله وملامح حياته وأدبه ونقده وشعره وفكره وجهوده في النهضة الثقافية. ووصف الدكتورَ الأسدَ بأنَّه من أبرز مناصري اللغة العربية الفصحى، الداعين إلى رعايتها والدفاع عنها ضدَّ هجمة اللغات الأجنبية عليها وبخاصَّةٍ اللغة الإنجليزية.
وتحدَّث المشارك الثاني الأستاذ الدكتور عزالدين موسى عن ذكرياته مع الدكتور الأسد والشيخ حمد الجاسر وإحسان عباس -رحمهم الله- في بيروت، وعن الأسد المؤرِّخ والأديب، ووصفه بأنه آخِر العمالقة من جيل النهضة الذين رحلوا، وقال إنه كان رجلاً عصاميًّا، وقورًا مهيبًا، صارمًا في منهجه العلمي، موضوعيًّا في دراساته، متواضعًا يأنس به جليسه لِمَا يمتاز به من روح الدعابة، وفيه خُلُق الأدباء وتواضُع العلماء. وأشار إلى أنه كان أحد أعضاء مجلس أمناء مؤسَّسة حمد الجاسر الخيرية، وأنه سبق أن شارك في ندوةٍ عن الشيخ حمد الجاسر ودوره في خدمة التراث العربي نظَّمتها الملحقية الثقافية السعودية في دمشق وشارك فيها مجموعة من المفكرين والعلماء، وكان الدكتور الأسد يزور المملكة كثيرًا وله فيها أصدقاء ومحبُّون كُثُر.
ووصف الدكتورَ الأسدَ بأنه في الأدب مدقِّق، وفي التاريخ ثَبْتٌ محقِّق، وفي الثقافة بحر، وفي الكتابة والمخاطبة العربية الفصحى كأنه كتاب، وقال: شهدتُه في بيروت والسعودية والمغرب والأردن والجميع يعدُّه أسدًا شامخًا في العلم يُخشى ويُرجى، وفي العربية وآدابها، وفي التاريخ وفروعه، وفي الثقافة ودروبها، وفي الفكر ودهاليزه، له حِذْقٌ وباعٌ طويلٌ مديدٌ كقامته المديدة وكهيبة طلعته البهيَّة رحمه الله.
وقال إنه مؤرِّخ ومثقَّف ومفكِّر ورائد التعليم الجامعي في الأردن الحديث، وكلُّنا عندما نتحدَّث عنه نحسبه من أهل الأدب وننسى أنه من أهل التاريخ، بل إنَّ اهتمامه بالشعر الجاهلي هو اهتمامٌ في صلب التاريخ، وهو نظر إلى الشعر الجاهلي بوصفه مرآةً للمجتمع العربي، فأراد أن يتثبَّت من مصادر هذا الشعر ومدى الثقة بها. ووقف مع عناوين فصول كتابه. واستعرض جهودَه العلمية التي تكمن في مؤلَّفاته التي أصبحت مَراجع للباحثين والدارسين، وجهودَه في المجامع اللغوية.
وفي ختام الندوة فُتح المجال للمشاركات التي تحدَّث فيها الحاضرون عن ذكرياتهم مع الدكتور الأسد -رحمه الله- وأهمِّية إسهاماته العلمية، تغمَّده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جنَّاته.
الر